الثلاثاء، 22 يناير 2008

من أجل أممية جديدة


من أجل أممية جديدة*
بـقـلــــم : بيير بورديو
من كتابه: نقيض ـ نار

توجد شعوب أوربا اليوم في منعطف من منعطفات تاريخها ؛ وذلك لأن فتوحات قرون عدة من الصراعات الاجتماعية والثقافية والسياسية من أجل كرامة العمال هي الآن مهددة بشكل مباشر . إن الحركات التي يمكن معاينتها هنا وهنالك ، هنا ثم بعد ذلك هنالك في مجموع أوربا وحتى خارجها ، حتى كوريا ، هذه الحركات التي تتوالى بألمانيا وفرنسا ، باليونان وإيطاليا . . الخ ظاهريا بدون تنسيق حقيقي ، هي في مجموعها ثورات مناهضة لسياسة تتخذ صيغا متعددة حسب المجالات وحسب البلدان ، سياسة مستلهمة دائما ، على الأقل ، من نفس النزوع والتوجه ؛ ألا وهو تدمير المكتسبات الاجتماعية التي هي ، رغم كل ما يقال عنها ، من بين الفتوحات الأكثر سموا للحضارة ؛ فتوحات يتعلق الأمر بجعلها كونية وتمديدها على مستوى مجموع الكرة الأرضية وعولمتها بدل اتخاذ " العولمة " ومنافسة البلدان الأقل تقدما اقتصاديا واجتماعيا مبررا لوضعها موضع التساؤل وإعادة . ليس هناك شيء أكثر طبيعية ومشروعية من الدفاع عن هذه المكتسبات التي يحلو للبعض أن يقدمها كما لو كانت تمثل شكلا من أشكال نزعة المحافظة أو البدائية ، فهل يمكن أن ندين بتهمة المحافظة عملية الدفاع عن المكتسبات الاجتماعية التي أتحدث عنها والمتمثلة في الحق في الشغل والضمان الاجتماعي التي عانى منها ومن أجلها صارع رجال كثيرون ونساء كثيرات هي أيضا مكتسبات سامية وثمينة ، مكتسبات لا تستمر ، من جهة أخرى ، في الوجود والبقاء فقط في المتاحف والمكتبات والأكاديميات ، وإنما هي حية فاعلة في حياة الناس وتحكم وجودهم اليومي . وهذا هو السبب في أنني لا أستطيع منع نفسي من الإحساس بشيء ما شبيه بشعور الغضب إزاء أولئك الذين بوصفهم يجعلون من أنفسهم حلفاء للقوى الاقتصادية الأعتى عنفا ، يدينون أولئك الذين بدفاعهم عن مكتسباتهم الموصوفة أحيانا بكونها " امتيازات " ، يدافعون عن / ويحمون مكتسبات كل الرجال والنساء بأوربا وخارجها .
إن النداء الصادر منذ بضعة أشهر عن السيد تيتماير لم يتم فهمه غالبا بشكل جيد ؛ وذلك لأنه تم فهمه باعتباره جوابا عن سؤال موضوع بشكل سيئ ، ولكونه وضع بالتحديد في سياق منطق معين هو المنطق النيوليبرالي الذي يطالب به السيد تيتماير . ضمن هذا المنظور يتقرر بأن الاندماج النقدي المرموز له من خلال وضع عملة الأورو هو الخطوة الأولى الإجبارية والشرط الضروري للاندماج السياسي بأوربا . وبعبارات أخرى يتم التشبث بأن الاندماج السياسي بأوربا سينحدر ضرورة وبشكل لا مناص منه من الاندماج الاقتصادي ، وهو ما يلزم عنه أن الاعتراض على سياسة الاندماج النقدي وعلى المنافحين عنها ، كالسيد تيتماير ، هو اعتراض صارخ على الاندماج السياسي . وباختصار ، فإن معناه هو أن تكون " ضد أوربا " .
بيد أن الأمر لا يتعلق بذلك أبدا ؛ فما هو موضوع السؤال هو دور الدولة ( أدوار الدول الوطنية الموجودة حاليا أو دور الدولة الأوربية التي يتعلق الأمر بإحداثها ) ، وبالخصوص في مجال حماية الحقوق الاجتماعية ؛ أي دور الدولة الاجتماعية القادرة وحدها على التصدي للميكانيزمات المتصلبة للاقتصاد المتروك لذاته . يمكن أن يكون المرء ضد أوربا كما هي في تصور السيد تيتماير ستستخدم كامتداد للأسواق المالية مع بقائه في نفس الآن بجانب أوربا ستشكل ، بفعل سياسة متوافق حولها ، عائقا في وجه عنف هذه الأسواق الذي لا يعرف حدودا . لكن لا شيء يمنحنا الأمل في سياسة كهاته لأوربا البنكيين التي يتم تهييئها وإعدادها لنا ؛ فنحن لا يمكن أن ننتظر من الاندماج النقدي أن يضمن اندماجا اجتماعيا ، بل العكس تماما : فنحن نعرف بالفعل بأن الدول التي تريد الحفاظ على تنافسيتها في حضن منطقة الأورو على حساب شركائها، لن يكون لها ملجأ آخر غير تخفيض التكاليف الأجرية بالإنقاص من التكاليف الاجتماعية ؛ فالإغراق الاجتماعي dumping socialوالأجري ، و " إحالة سوق الشغل مرنا " ستكون هي الملجأ الأخير المتروك للدول المفرغة من إمكانية اللعب على معدلات الصرف . وسيأتي كي ينضاف لتأثير هذه الميكانيزمات بدون شك ضغط " السلطات النقدية " كالبونديسبانك ومسيريه المتسرعين دوما للوعظ والنصح ب " التقشف في الأجور " . وحدها دولة اجتماعية أوربية فقط ستكون قادرة على عرقلة الفعل المضاد للاندماج الذي هو سمة للاقتصاد النقدي . غير أن السيد تيتماير والنيوليبراليين لا يريدون لا دولا وطنية يرون فيها مجرد عوائق للاشتغال الحر للاقتصاد ، و لا ، بالأحرى ، دولة فوق ـ وطنية يودون تحويلها إلى مجرد بنك . وواضح أنه إن كانوا يريدون التخلص من الدول الوطنية ( أو من مجلس وزراء دول المجموعة الأوربية ) بإفراغها من سلطاتها ، فليس ذلك بداهة من أجل خلق دولة فوق ـ وطنية من شانها أن تفرض عليهم وبسلطة متنامية الإكراهات والإلزامات في ميدان السياسة الاجتماعية خاصة ، تلك التي يريدون التحرر منها بأي ثمن .
ويمكن أن يكون المرء معاديا أيضا للاندماج الأوربي المؤسس على العملة الموحدة وحدها بدون أن يكون أبدا معاديا للاندماج السياسي لأوربا ، بل على العكس تماما بالدعوة لخلق دولة أوربية قادرة على السيطرة على البنك الأوربي ، وبتدقيق أكبر ، قادرة على السيطرة عن طريق الاستباق ، على التأثيرات الاجتماعية للاتحاد المقزم إلى بعده النقدي الصرف حسب الفلسفة النيوليبرالية التي تنوي العمل على محو كل آثار الدولة ( الاجتماعية ) باعتبارها عوائق تقف في وجه الاشتغال المتناغم للأسواق .
أكيد أن المنافسة الدولية ( خاصة في ما بين بلدان أوربا ) هي عائق أمام الوضع موضع التنفيذ " في بلد واحد " لما نسميه " تحريم التراجع والنكوص " ؛ وذلك ملحوظ بشكل واضح في مجال الإنقاص من مدة الشغل أو الاستنهاض الاقتصادي ( رغم واقعة أن الإنقاص من مدة الشغل تمول نفسها ذاتيا جزئيا بفعل الارتفاع المحتمل للإنتاجية وأنها تمكن من استرجاع المبالغ الهائلة التي صرفت من أجل مساندة البطالة ) .
وقد فهمها جيدا جون ميجور الذي قال بسخرية : " ستكون التكاليف الاجتماعية همكم ، وسيكون همنا الشغل " . كما فهمها أيضا الباطرونات الألمان الذين شرعوا في تهجير بعض المقاولات نحو فرنسا التي يعتبر تدمير الحقوق الاجتماعية بها أكثر " تقدما " نسبيا . وبالفعل ، فحقيقي أن المنافسة هي في جوهرها منافسة في ما بين بلدان أوربا وأن الشغالين الفرنسيين هم الذين يسرقون عملهم من العمال الألمان ، والعكس بالعكس بشكل متبادل ـ كما هو الحال ، ما دام قرابة ثلاثة أرباع المبادلات الخارجية في البلدان الأوربية تتم داخل حدود الفضاء الأوربي ـ ، نرى أن تأثيرات إنقاص من مدة الشغل بدون إنقاص من الأجر ستكون خفيفة بشرط أن يتخذ قرار كهذا وينفذ على المستوى الأوربي .
ونفس الشيء في ما يتعلق بسياسات إعادة تنمية الطلب أو الاستثمار في مجال التكنولوجيات الجديدة ، التي هي مستحيلة أو مدمرة كما يردد ذلك أنصاف ـ الحذاق ، كلما تم الأخذ بها لمدة طويلة في بلد واحد فإنها ستضحي معقولة على مستوى القارة . ونفس الشيء أيضا ، وبشكل أعم ، في ما يتعلق بأي نشاط موجه من قبل مبادئ اقتصاد حقيقي للسعادة ، قادر على أن يثبت في محضر كل الأرباح وكل التكاليف ، مادية كانت أم رمزية ، وكل السلوكات الإنسانية وبخاصة النشاط والعطالة . وباختصار ، يعتبر ضروريا في مواجهة أوربا نقدية مدمرة للمكتسبات الاجتماعية إيجاد أوربا اجتماعية مؤسسة على تحالف في ما بين شغالي وعمال مختلف البلدان الأوربية ، قادر على تحييد التهديدات التي يسلطها عمال كل بلد من بلدان أوربا على حدة على عمال البلدان الأخرى عبر الإغراق الاجتماعي خاصة .
في أفق كهذا ، وللخروج من دائرة برنامج مجرد ، فإن الأمر يتعلق بإبداع أممية جديدة ، وهي المهمة الملقاة في المقام الأول على عاتق التنظيمات النقابية . بيد أن أممية ما وراء تلك التي فقدت مصداقيتها في صيغتها التقليدية بفعل تبعيتها للإمبريالية السوفياتية تصطدم بعوائق كبرى بفعل أن البنيات النقابية بنيات وطنية ( مرتبطة بالدولة ومُنتجَةٌ في جانب منها من قبلها ) ومنفصلة عن بعضها البعض بفعل عادات وتقاليد تاريخية متباينة : ففي ألمانيا على سبيل المثال هناك استقلال ذاتي قوي للشركاء الاجتماعيين ، في حين أن بفرنسا تقليدا نقابيا ضعيفا في مواجهة دولة قوية ، وأيضا ، فإن الحماية الاجتماعية متنوعة بشكل كبير في هذه الأشكال والصيغ التنظيمية بدءا من إنجلترا حيث هي ممولة عن طريق الضريبة إلى ألمانيا وفرنسا حيث هي مدعومة عن طريق الاشتراكات والمساهمات ، ولا يوجد على المستوى الأوربي أي شيء تقريبا من ذلك . إن ما ندعوه " أوربا الاجتماعية " التي لم يعد يهتم أو ينشغل بها مطلقا " حراس الأورو " تحجمت إلى بضع مبادئ كبرى من خلال " الإعلان الاتحادي للحقوق الاجتماعية الأساسية " مثلا ، ذلك الإعلان الذي يحدد أرضية من الحقوق الدنيا متروك أمر تنفيذها لإدارات الدول الأعضاء . لقد توقع البروتوكول الاجتماعي الملحق بمعاهدة ماستريخت إمكانية تبني توصيات الأغلبية في مجال ظروف العمل وإخبار واستشارة العمال وتكافؤ الفرص بين الرجال والنساء . ومتوقع أيضا أن تكون لـ " الشركاء الاجتماعيين " الأوربيين سلطة التفاوض ومناقشة الاتفاقيات الجماعية التي تصبح لها قوة القانون بمجرد إقرارها والمصادقة عليها من طرف مجلس الوزراء .
كل هذا جميل ورائع ، لكن أين هي القوة الاجتماعية الأوربية القادرة على فرض اتفاقيات كهذه على الباطرونا الأوربيــة ؟ .. إن المؤسسات الدولية كالكونفدرالية الأوربية للنقابات هي مؤسسات ضعيفة ( حيث تُبقى مثلا خارج دائرتها بعض النقابات كنقابة ن ع ع CGT ) أمام باطرونا منظمة وتترك دائما تقريبا ، بشكل مفارق ، المبادرة للمؤسسات الاتحادية ( وللتكنوقراطيين ) حتى عندما يتعلق الأمر بالحقوق الاجتماعية . إن لجان المقاولات الأوربية استطاعت ، كما رأينا ذلك من خلال بعض الصراعات في حضن المقاولات المتعددة الجنسيات ، أن تشكل ملجأ وسندا قويا ، لكنها بوصفها بنيات استشارية اصطدمت بتباين المصالح التي تقسمها أو تجعلها في حال تعارض في ما بينها من بلد لآخر . إن التنسيق الأوربي للصراعات والمعارك هو تنسيق جد متخلف ، وقد تركت المنظمات النقابية فرصا عظيمة تضيع سدى كالإضراب الألماني بخصوص 35 ساعة عمل أسبوعيا الذي لم يجد صدى له على المستوى الأوربي ، أو حملات التعبئة الكبرى التي اشتعلت بفرنسا وبعديد من البلدان الأوربية في نهاية سنة 1995 وبداية سنة 1996 ضد سياسة التقشف وتفكيك الخدمات العمومية . لقد ظل المثقفون ، وخاصة بألمانيا ، صامتين عندما لم يشكلوا امتدادا أو صدى للخطاب المهيمن والسائد .
كيف يمكن خلق قواعد أممية جديدة على المستوى النقابي والثقافي والشعبي ؟ .. يمكننا أن نميز شكلين ممكنين من الفعل ليسا استثنائيين . هناك أولا تعبئة الشعوب التي تفترض في هذه الحالة مساهمة نوعية وخاصة من طرف المثقفين في حال ما إذا نتج جمود وانطفاء التعبئة في جانب منه عن إفشال المعنويات الناجم عن النشاط الدائم لـ " دعاية " كتاب المقالات والصحافيين ، وهي دعاية لا يتم إدراكها أو هي غير مدركة بوصفها كذلك . إن الأسس والقواعد الاجتماعية لنجاح تعبئة كهاته موجودة : وأذكر هنا فقط تأثيرات التحولات في العلاقات بالنظام المدرسي ، وخاصة بسبب الرفع من مستوى التكوين وإفقاد الشهادات المدرسية قيمتها والتأخر البنيوي في المراتب الناجم عنه ، وأيضا إضعاف القطيعة أو تقليص الشقة في ما بين الطلبة والعمال اليدويين ( القطيعة في ما بين الشيوخ والشباب ، الرسميين والمؤقتين ، أو المبلترين هي قطيعة مستمرة ، غير أن علاقات حقيقية نشأت مثلا من خلال أبناء العمال المتعلمين الذين مستهم الأزمة ) . إلا أن هنالك أيضا وخاصة تطور البنية الاجتماعية بسبب تنامي الفوارق الاجتماعية ضدا على أسطورة عظم حجم الطبقة الوسطى القوية بألمانيا ؛ فالكتلة الإجمالية لمداخيل الرأسمال تنامت ب % 60 في الوقت الذي ظل فيه مردود العمل المأجور ثابتا . إن حركة التعبئة الدولية هاته تفترض أن نفرد مكانة هامة للصراع بواسطة الأفكار ( بالقطع مع التقليد " العمالي النزعة " الذي يلازم الحركات الاجتماعية خاصة بفرنسا ، والذي يحظر أن يفرد للصراعات الفكرية مكانها الطبيعي في الصراعات الاجتماعية ) وبالخصوص لنقد التمثلات التي تنتجها وتذيعها بزخم دائم المؤسسات المهيمنة وخدامها المفكرين بإحصائيات مغلوطة وميثولوجيات تدعي التشغيل التام بإنجلترا أو الولايات المتحدة . . الخ .
الشكل الثاني من أشكال التدخل لصالح أممية قادرة على تنمية دولة اجتماعية عبر ـ وطنية يتمثل في ممارسة الفعل على / ومن خلال الدول الوطنية التي تعتبر ، بافتقادها في الحالة الراهنة لمنظور شمولي للمستقبل ، غير قادرة على تدبير المصلحة العامة الاتحادية . يجب التأثير على الدول الوطنية من جهة ، من أجل الدفاع عن / وتدعيم المكتسبات التاريخية المرتبطة بالدولة الوطنية ( وغالبا هي أكبر أهمية وأكثر رسوخا في المظاهر من أن الدولة هي الأقوى كما في فرنسا ) ، ولإرغام هذه الدول من جهة أخرى على العمل لخلق وتشييد دولة اجتماعية أوربية مراكمة ومجمعة للمكتسبات الاجتماعية الأكثر تقدما لمختلف الدول الوطنية ( مزيد من دور الحضانة والمدارس والمستشفيات وقليل من الجيوش والبوليس والسجون ) ، والعمل على ربط إيجاد أسواق موحدة بوضع معايير اجتماعية مخصصة لمجابهة العواقب الاجتماعية المحتملة على الأجراء والتي سيتسبب فيها التنافس الحر . ( ويمكن أن نستلهم هنا مثال السويد التي ترفض الانخراط في الأورو إلى حين إجراء مفاوضات تضع في الصدارة مسألة تنسيق السياسات الاقتصادية والاجتماعية ) . إن التماسك الاجتماعي هو غاية بنفس أهمية تعادل العملات وتكافئها ، والتناغم الاجتماعي هو شرط نجاح اتحاد نقدي حقيقي .
وإذا ما جعلنا من التناغم الاجتماعي ، والتضامن الذي ينتجه ويفترضه أسبقية مطلقة ، فإنه يتوجب أن نخضع فورا للتفاوض ، وبنفس هم الصرامة الذي خصصناه لحد الآن للمؤشرات الاقتصادية ( كمعدل % 3 الذائع الصيت لمعاهدة ماستريخت ) ، عددا معينا من الأهداف والمرامي المشتركة والمتمثلة في تعيين الحد الأدنى للأجور ( المنوع حسب المناطق من أجل الأخذ بعين الاعتبار للتفاوتات الجهوية ) ؛ وضع تدابير ضد الفساد والتهرب الضريبي الذين يضعفان مساهمة المناشط المالية في التكاليف العمومية محدثين بذلك وبشكل غير مباشر لضريبة متصاعدة على الشغل ؛ و ضد الإغراق الاجتماعي في ما بين النشاطات المتنافسة مباشرة ؛ صياغة وتحرير حق اجتماعي موحد يقبل بصفة انتقالية تمييزا حسب المناطق ، ولكنه يستهدف إدماج السياسات الاجتماعية بتوحيده في المراكز والنقط التي يتواجد بها وبتنميته في النقط التي لا يوجد بها : مثلا بإقرار دخل فردي أو عائد أدنى بالنسبة للأشخاص الذين هم بدون عمل مؤدى عنه أو بدون موارد أخرى ، وبإنقاص التكاليف الجاثمة على الشغل ، وبتنمية الحقوق الاجتماعية كالتكوين وإقرار حقٍّ في الشغل والسكن وإبداع سياسة خارجية في المجال الاجتماعي تستهدف نشر وتعميم المعايير الاجتماعية الأوربية ؛ وتصور وتنفيذ سياسة موحدة للاستثمار طبقا للمصلحة العامة : ضدا على استراتيجيات الاستثمار الناجمة عن نصرة الاستقلال الذاتي للنشاطات المالية المحض مضاربة و / أو الموجهة من قبل اعتبارات الربح على المدى القصير أو المؤسسة على افتراضات مسبقة مناقضة كليا للمصلحة العامة ؛ كالاعتقاد بأن ممارسة التقليص والإنقاص من فرص الشغل هو ضمان لتدبير سليم ومحكم وضمانة للمردودية ؛ يتعلق الأمر بإعطاء الأولوية لاستراتيجيات تروم ضمان الحفاظ على الموارد غير المتجددة والبيئة وتطوير شبكات عبر ـ أوربية للنقل والطاقة ، توسيع دائرة السكن الاجتماعي والتجديد الحضري ( وبخاصة عن طريق وسائل نقل حضرية إيكولوجية ) ، الاستثمار في بحوث التنمية في مجال الصحة وحماية البيئة وتمويل نشاطات جديدة تبدو حاملة للتهديد ظاهريا ، وتتخذ صيغا مجهولة من صيغ العالم المالي ( مقاولات صغيرة وأعمال حرة ) (1) .
إن ما يمكن أن يبدو كما لو كان مجرد قائمة من التدابير المتنافرة مستلهم بالفعل من إرادة القطع مع قدرية الفكر النيوليبرالي ومن إرادة " إعدام البعد القدري " هذا من خلال التسييس واستبدال الاقتصاد المطبع لليبرالية الجديدة باقتصاد للسعادة يفرد في حساباته باعتباره مؤسسا على مبادرات الإرادة الإنسانية مكانا لتكاليف المعاناة ومزايا بناء الذات التي تتجاهلها العبادة والتقديس الاقتصادوي الخالص للإنتاجية والمردودية .
إن مستقبل أوربا متوقف بشكل كبير على وزن القوى التقدمية بألمانيا ( نقابات ، SPD ح ش د ، خضرا ) وعلى إراداتها وقدراتها على الاعتراض على سياسة الأورو " القوي " التي يدافع عنها البونديسبانك والحكومة الألمانية . وسيتوقف هذا المستقبل أكثر على قدراتها على تنشيط وإيجاد امتدادات للحركة من أجل إعادةٍ لتوجيه السياسة الأوربية تعبر عن ذاتها منذ الآن في بلدان عديدة ، وبخاصة في فرنسا . وباختصار ، فإنني أريد أن أؤكد لكم ضدا على كل أنبياء التعاسة الذين يريدون إقناعكم بأن قدركم هو في أيدي القوى المتعالية ، المستقلة واللامبالية ك " الأسواق المالية " أو ميكانيزمات " العولمة " ، على أمل أن أتمكن من إقناعكم بأن المستقبل ، أي مستقبلكم الذي هو أيضا مستقبلنا ومستقبل جميع الأوربيين ، يتوقف كثيرا عليكم باعتباركم ألمانا وباعتباركم نقابيين .
فرانكفورت ، يونيه 1997 .
****************************
(1) لقد استعرت عددا معينا من الاقتراحات من ييفز ساليس ، اقتراحات من أجل أوربا مغايرة ، بناء بابل ، باريس ، منشورات فيلان ، 1997 .
* مداخلة بالفوروم الثالث لـ DGB لمنطقة هيس ، فرانكفورت ، يوم 7 يونيه 1997 .

ليست هناك تعليقات: