
المنظمة العالمية للتجارة :
الفلاحون في خطر
كانت الفلاحة سنة 2000 تشغل %45 من النشيطين على المستوى العالمي (1) ، وفاندانا شيفا تبين هنا كيف أن اتفاقيتين من اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة OMC تهددان وجود الفلاحين ذاته وكذا الإرث الفلاحي والبيولوجي في عديد من البلدان ، وهاتان الاتفاقيتان هما : اتفاقية دورة الأوروغواي الفلاحية (AAUR) والاتفاقية حول الملكية الفكرية (ADPIC) .
ليست العولمة الاقتصادية التي تنعشها المنظمة العالمية للتجارة إلا مشروع الموت المعلن لفقراء بلدان الجنوب ؛ إنها تخطط للاستيلاء على مواردهم ومعارفهم وخبراتهم لصالح السوق العالمية ، ملحقة بأنماط عيشهم وبقائهم على قيد الحياة نتيجة ذلك أفظع الخسائر. وبالفعل ؛ فقواعد السوق العالمية كما تم تحديدها في الاتفاق الفلاحي لدورة الأوروغواي واتفاقية ADPIC (الاتفاق حول أوجه الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة ) ، ليست في كل الأحوال إلا سرقة تختفي وراء مساحيق الأرقام والتقنينات ، والشركات المتعددة الجنسيات هي التي تخرج رابحة غانمة من هذه السرقة الاقتصادية ، أما الخاسر الأكبر فهي الشعوب والعالم الطبيعي .
إن للفلاحة التي هي مورد العيش الأول بالنسبة لثلاثة أرباع البشرية قيمة هي في نفس الآن اقتصادية وفكرية . والاتفاق الفلاحي لدورة الأوروغواي نظام مؤسس على تشريعات تستهدف التحرير التجاري للفلاحة ، وهو المبدأ الذي تم تبنيه تحت ضغط الولايات المتحدة والشركات المتعددة الجنسيات في مجال الفلاحة التجارية . ولهذا الاتفاق هدف يتمثل في إخضاع الفلاحة المحلية للمنافسة العالمية من خلال تعريض الضيعات الصغرى لخطر الانمحاء ما دامت لن تستطيع الوقوف في وجه المنافسة الخارجية ، على الملايين إذن من صغار الفلاحين أن يتخلوا عن أراضيهم لصالح الشركات المتعددة الجنسيات ؛ ومن ثمة فإن هذا الاتفاق يمثل بالفعل البرنامج الأضخم في العالم لخلق اللاجئين . ويتمفصل هذا البرنامج من خلال ثلاث واجهات تتعلق بـ : المساعدات المالية الحكومية ـ ولوج السوق ـ المنافسة في التصدير .
التقليص من الإمدادات المالية المباشرة
إن بنود المنظمة العالمية للتجارة المتبناة سنة 1994 بخصوص هذا الوجه تشترط من قبل البلدان المتقدمة تقليصا من دعمها للإنتاج الفلاحي بنسبة %20 مقارنة بمستويات ما بين 1988 – 1986 ، وهو تقليص لا بد أن ينجز على أكبر تقدير سنة 1999 . وبالنسبة للبلدان السائرة في طريق النمو فإنه ينتظر أن يتم إنجاز هذا التقليص الذي هو بنسبة %13 خلال عشر سنوات . وسنكون مخطئين إذا ما اعتقدنا أم إجراء مثل هذا سيجعل صغار الفلاحين وبلدان العالم الثالث أكثر تنافسية ، وبأنه سيقود نحو أسعار تعكس الكلفة الحقيقية للإنتاج : إن نصوص الاتفاق المتعلقة بالإمدادات المالية الحكومية لا يتعلق في الواقع إلا بجزء من هذه الإمدادات ؛ فالإمدادات المالية المخصصة للتجارة الفلاحية وللمصالح التجارية الممولة للاستثمارات والأسمدة والماركيتينغ والبنيات التحتية ، هي كلها أيضا لا تعلق للاتفاق بها .
ولوج السوق
إن الإمدادات المباشرة من قبل الحكومات لدعم عائدات الفلاحين هي بدورها مستثناة من هذا الاتفاق ، وقد مكن ذلك الولايات المتحدة من الإعلان في شهر يونيه 2000 عن الزيادة في مساعداتها للفلاحين بقيمة 7,1 مليار دولار . أما بخصوص عائدات الفلاحين في العالم الثالث فهي تأتي من المبادلات وليس من المساعدات الحكومية . ومن ثمة يجد فلاحو العالم الثالث أنفسهم أمام نقص حقيقي في الامتيازات ؛ فهم أضعف بكثير من غيرهم أمام تحولات السوق العالمية والأسعار العالمية للمواد الفلاحية .
ذاك هو اسم اتفاق المنظمة العالمية للتجارة المتعلق باستيراد المواد الغذائية ، وكل البلدان الموقعة على الاتفاق مطالبة بتحويل القيود الكمية والإجراءات الأخرى غير التعريفية إلى ضرائب جمركية عادية . على هذه البلدان أن توفر فرصة ولوج في حده الأدنى للواردات بالابتداء بنسبة %1 من الاستهلاك الوطني في السنة الأولى ، ثم بـ %2 في بداية السنة الخامسة ، ثم %4 في ما بعد . إن على البلدان السائرة في طريق النمو أن تخفف من ضرائبها على الواردات بنسبة %24 من أجل تيسير الواردات بأثمنة رخيصة ، ويجب أيضا إلغاء القيود الكمية على استيراد المواد الفلاحية . وسينتج عن ذلك حسب تقديرات منظمة الفاو (2) ارتفاع فاتورة الواردات بإفريقيا من 8,4 مليار دولار إلى 14,9 مليار سنة 2000 . وبالنسبة لأمريكا اللاتينية وجزر الكاريبي فإن قيمة الواردات سترتفع إلى 0,9 مليار دولار . وستتعاظم بالنسبة للشرق الأقصى فاتورة الواردات بـ 4,1 مليار ، وستكون هذه الفاتورة بالنسبة للشرق الأدنى 27 مليار دولار سنة 2000 . سيمس هذا الإجراء صغار المنتجين المحليين بشكل بالغ : فمن أجل التلاؤم مع الحد الأدنى المشترط من قبل المنظمة العالمية للتجارة فإن جزر الفيليبين على سبيل المثال مطالبة باستيراد 59 ألف طن من الأرز ، وهو ما سيقود حتما نحو هجرة 15000 أسرة من أسر الفلاحين كل سنة .
المنافسة في التصدير
يشكل مقطع الاتفاق المسمى " المنافسة في التصدير " المبرر الرسمي لوجود هذا الاتفاق ؛ أي إلغاء المساعدات المخصصة لمجال التصدير والتي يسرت بيع الفوائض الأوربية والأمريكية في السوق العالمي خلال سنوات . وهذا بالنتيجة هو السبب الذي جعل الدول المتقدمة تلتزم بالإنقاص من حجم صادراتها المدعمة بـ%21 ومبلغها المالي بـ %36 ما بين سنة 1995 و 2000 . أما بالنسبة للبلدان السائرة في طريق النمو فإن هذا الالتزام هو على التوالي بـ 14 و %24 إلى حدود سنة 2004 ، وتحريم التصدير ليس ممكنا حتى في فترات القحط .
وفي الوقت الذي تم فيه تبرير تحرير الصادرات بفعل أن الأسواق الفلاحية بالشمال ستفتح في وجه الهند ، فقد تناقصت الصادرات الهندية نحو أوربا من 13 إلى %6 ، وأحد أسباب هذا الانحطاط يتمثل في الإبقاء على المساعدات والحواجز الحمائية في دول الشمال .
أما المساعدات المتعلقة بالتصدير والمخصصة للبلدان السائرة في طريق النمو (من أجل تغطية نفقات التصدير) فهي لا تمضي إلى جيوب فلاحي العالم الثالث أو لجيوب الفقراء ما داموا ليسوا هم المصدرون وإنما هي الشركات الكبرى .
وبذلك تحقق الشركات المتعددة الجنسيات أرباحا وأموالا طائلة في الشمال والجنوب ، مع احترام تام لإطار تنظيمات المنظمة العالمية للتجارة . لقد رفعت الولايات المتحدة منذ تأسيس المنظمة العالمية للتجارة من حجم صادراتها ووسعت برامج الماركيتينغ لديها ، حتى قروض صندوق النقد الدولي لبلدان العالم الثالث تم استخدامها لدعم صادرات التجارة الفلاحية الأمريكية ، وحسب دان غليكمان ، وزير الفلاحة بالولايات المتحدة : " إذا لم نكن قد فقدنا عديدا من أنصبة السوق بآسيا فذلك راجع أولا لأننا خصصنا 2,1 مليار دولار كضمانة لقروض التصدير ، وبدون مساعدة صندوق النقد الدولي كان من الممكن أن يتهدد الخطر ملياري دولار من صادراتنا الفلاحية على المدى القصير وبشكل أكبر على المدى الطويل " . وفي سنة 1996 ، وبعد توقيع اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة مباشرة تبنت الولايات المتحدة قانونا يخصص 5,5 مليار دولار كمساعدات للتصدير ، مليار إضافي آخر تم تخصيصه أيضا من أجل إنعاش اختراق " الأسواق الناشئة " (3) . إن قواعد المنظمة العالمية للتجارة موجودة من أجل تشجيع والإبقاء على أشكال الدعم المالية للشركات المتعددة الجنسيات في الشمال ، ومن أجل سحب أي دعم عن الفلاحين والجماعات المحلية : وقد أمكن التأكد من أن هذه القواعد هي قواعد الوجه المتعلق بالإمدادات المالية الحكومية ، وبولوج السوق أو المنافسة في التصدير .
الحاجة إلى نموذج آخر
تتطلب حماية وسائل بقاء الفلاحين وكذا الأمن الغذائي وحماية فلاحة قابلة للدوام تغييرات جوهرية لهذا الاتفاق (AAUR) . يجب تجميد أي تحرير تجاري للفلاحة وأي تنفيذ للقواعد الجارية حاليا ، كما يجب إضافة بند يتعلق بحالات الاستثناء في كنف المنظمة العالمية للتجارة يمكن البلدان من الحفاظ على الفلاحة خارج أي عملية تحرير تجارية . يجب إلغاء الإمدادات المالية المخصصة لدعم التصدير ، بما فيها الإمدادات المقنعة على شكل ضمانات للتصدير والاستثمار والدعم المتعلق بالنقل . إن أشكال الدعم هاته هي أصل الإغراق المدمر للأسواق المحلية ، وليست المساعدات الحكومية التي يجب السماح بها كما هو شأن القيود الكمية على الاستيراد .
يجب الاعتراف بحماية الفلاحة باعتبارها شرطا لازما للأمن الغذائي . إننا لا نستطيع و لا يجب علينا أن نجعل من التجارة الهدف النهائي الشارط للأنظمة الغذائية ، وإلا فإن ذلك سيؤدي إلى سيادة المصالح التجارية للشركات المتعددة الجنسيات التي تعتبر الغذاء مصدرا للربح وليس وسيلة لضمان البقاء . وما دام أن أرباحها لا يمكن أن تتوسع إلا من خلال تدمير وسائل العيش وأنظمة الاكتفاء الذاتي ، فإن عولمة المبادلات تقود من ثمة نحو الإبادة العرقية . إن إقامة الحواجز التعريفية هي بالفعل إكراه أخلاقي .

حقوق الملكية الفكرية :اتفاقADPIC
إن المنظمة العالمية للتجارة تهدد مصالح فلاحي العالم الثالث أكثر من ذلك عن طريق الاتفاقيات حول الملكية الفكرية ADPIC . إن هذا الاتفاق المبرم إبان دورة الأوروغواي يقيم القواعد التنفيذية الواضعة لبراءات الاختراع وحقوق الملكية والأسماء والعلامات التي يمكن أن تطبق على جميع المنتجات ، بما فيها الكائن الحي ، بصورة تمكن من إضفاء براءات الاختراع على الجينات والبذور والخلايا والمزروعات والحيوانات وامتلاكها جميعا بوصفها ملكيات فكرية . إن البلدان السائرة في طريق النمو تجد نفسها مضطرة لإعادة تنظيم أنماط الإنتاج والاستهلاك لديها حتى تجعل من الممكن الإمساك بناصية الاحتكارات من قبل حفنة من الشركات المتعددة الجنسيات العاملة في إطار ما يعتبر علوما للحياة . إن هذا الاتفاق هو الدليل الساطع على أن المنظمة العالمية للتجارة لا تقزم النزعة الحمائية خلافا لكل ما يمكن أن يقوله المدافعون عنها ، كما أنها لا تحمي أيضا لا الأشخاص و لا الطبيعة ، وإنما الشركات المتعددة الجنسيات .
وللوقوف على ثغرات ADPIC يجب أن نعرف أن هذا الاتفاق يجعل من قوانين براءات الاختراع الغربية قوانين كونية ، وهي قوانين استخدمت خلال التاريخ كأداة للغزو ، فكلمة براءة اختراع مأخوذة من اللفظة الإنجليزية (Patent) ؛ أي قرارات ملكية على صورة رسالة مفتوحة توفر بشكل عادي امتيازا ما لشخص محدد ـ كانت تقدم على الخصوص من قبل الملوك الأوربيين بغرض غزو الأراضي الأجنبية أو من أجل الحصول على احتكار للاستيراد ـ وقد حصل كريستوف كولومب على حقه في الغزو من رسالة Patent الملكة إليزابيث والملك فرديناند .
ولقد تجاهل القانون بالولايات المتحدة ، ولمدة طويلة ، أن بعض الاختراعات كانت موجودة في السابق في بلدان أخرى وقت تسليم براءات الاختراع . وهكذا ، وبشكل يقوم على المفارقة ، فإن نظاما قانونيا يستهدف تحاشي القرصنة الفكرية يتأسس هو ذاته على شرعنة هذه القرصنة !ولقد وضع لهذا النظام رمز في المقطع 102 من patent act لسنة 1952 ، وهو يرفض القبول بإضفاء براءة الاختراع على الابتكارات المعمول بها مسبقا بالولايات المتحدة ، لكنه يقبل ذلك بالنسبة لمثيلاتها الموجودة بالبلدان الأخرى ، اللهم إلا إذا كان سبق وصفها بإحدى المنشورات .
الفلاحون في خطر
كانت الفلاحة سنة 2000 تشغل %45 من النشيطين على المستوى العالمي (1) ، وفاندانا شيفا تبين هنا كيف أن اتفاقيتين من اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة OMC تهددان وجود الفلاحين ذاته وكذا الإرث الفلاحي والبيولوجي في عديد من البلدان ، وهاتان الاتفاقيتان هما : اتفاقية دورة الأوروغواي الفلاحية (AAUR) والاتفاقية حول الملكية الفكرية (ADPIC) .
ليست العولمة الاقتصادية التي تنعشها المنظمة العالمية للتجارة إلا مشروع الموت المعلن لفقراء بلدان الجنوب ؛ إنها تخطط للاستيلاء على مواردهم ومعارفهم وخبراتهم لصالح السوق العالمية ، ملحقة بأنماط عيشهم وبقائهم على قيد الحياة نتيجة ذلك أفظع الخسائر. وبالفعل ؛ فقواعد السوق العالمية كما تم تحديدها في الاتفاق الفلاحي لدورة الأوروغواي واتفاقية ADPIC (الاتفاق حول أوجه الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة ) ، ليست في كل الأحوال إلا سرقة تختفي وراء مساحيق الأرقام والتقنينات ، والشركات المتعددة الجنسيات هي التي تخرج رابحة غانمة من هذه السرقة الاقتصادية ، أما الخاسر الأكبر فهي الشعوب والعالم الطبيعي .
إن للفلاحة التي هي مورد العيش الأول بالنسبة لثلاثة أرباع البشرية قيمة هي في نفس الآن اقتصادية وفكرية . والاتفاق الفلاحي لدورة الأوروغواي نظام مؤسس على تشريعات تستهدف التحرير التجاري للفلاحة ، وهو المبدأ الذي تم تبنيه تحت ضغط الولايات المتحدة والشركات المتعددة الجنسيات في مجال الفلاحة التجارية . ولهذا الاتفاق هدف يتمثل في إخضاع الفلاحة المحلية للمنافسة العالمية من خلال تعريض الضيعات الصغرى لخطر الانمحاء ما دامت لن تستطيع الوقوف في وجه المنافسة الخارجية ، على الملايين إذن من صغار الفلاحين أن يتخلوا عن أراضيهم لصالح الشركات المتعددة الجنسيات ؛ ومن ثمة فإن هذا الاتفاق يمثل بالفعل البرنامج الأضخم في العالم لخلق اللاجئين . ويتمفصل هذا البرنامج من خلال ثلاث واجهات تتعلق بـ : المساعدات المالية الحكومية ـ ولوج السوق ـ المنافسة في التصدير .
التقليص من الإمدادات المالية المباشرة
إن بنود المنظمة العالمية للتجارة المتبناة سنة 1994 بخصوص هذا الوجه تشترط من قبل البلدان المتقدمة تقليصا من دعمها للإنتاج الفلاحي بنسبة %20 مقارنة بمستويات ما بين 1988 – 1986 ، وهو تقليص لا بد أن ينجز على أكبر تقدير سنة 1999 . وبالنسبة للبلدان السائرة في طريق النمو فإنه ينتظر أن يتم إنجاز هذا التقليص الذي هو بنسبة %13 خلال عشر سنوات . وسنكون مخطئين إذا ما اعتقدنا أم إجراء مثل هذا سيجعل صغار الفلاحين وبلدان العالم الثالث أكثر تنافسية ، وبأنه سيقود نحو أسعار تعكس الكلفة الحقيقية للإنتاج : إن نصوص الاتفاق المتعلقة بالإمدادات المالية الحكومية لا يتعلق في الواقع إلا بجزء من هذه الإمدادات ؛ فالإمدادات المالية المخصصة للتجارة الفلاحية وللمصالح التجارية الممولة للاستثمارات والأسمدة والماركيتينغ والبنيات التحتية ، هي كلها أيضا لا تعلق للاتفاق بها .
ولوج السوق
إن الإمدادات المباشرة من قبل الحكومات لدعم عائدات الفلاحين هي بدورها مستثناة من هذا الاتفاق ، وقد مكن ذلك الولايات المتحدة من الإعلان في شهر يونيه 2000 عن الزيادة في مساعداتها للفلاحين بقيمة 7,1 مليار دولار . أما بخصوص عائدات الفلاحين في العالم الثالث فهي تأتي من المبادلات وليس من المساعدات الحكومية . ومن ثمة يجد فلاحو العالم الثالث أنفسهم أمام نقص حقيقي في الامتيازات ؛ فهم أضعف بكثير من غيرهم أمام تحولات السوق العالمية والأسعار العالمية للمواد الفلاحية .
ذاك هو اسم اتفاق المنظمة العالمية للتجارة المتعلق باستيراد المواد الغذائية ، وكل البلدان الموقعة على الاتفاق مطالبة بتحويل القيود الكمية والإجراءات الأخرى غير التعريفية إلى ضرائب جمركية عادية . على هذه البلدان أن توفر فرصة ولوج في حده الأدنى للواردات بالابتداء بنسبة %1 من الاستهلاك الوطني في السنة الأولى ، ثم بـ %2 في بداية السنة الخامسة ، ثم %4 في ما بعد . إن على البلدان السائرة في طريق النمو أن تخفف من ضرائبها على الواردات بنسبة %24 من أجل تيسير الواردات بأثمنة رخيصة ، ويجب أيضا إلغاء القيود الكمية على استيراد المواد الفلاحية . وسينتج عن ذلك حسب تقديرات منظمة الفاو (2) ارتفاع فاتورة الواردات بإفريقيا من 8,4 مليار دولار إلى 14,9 مليار سنة 2000 . وبالنسبة لأمريكا اللاتينية وجزر الكاريبي فإن قيمة الواردات سترتفع إلى 0,9 مليار دولار . وستتعاظم بالنسبة للشرق الأقصى فاتورة الواردات بـ 4,1 مليار ، وستكون هذه الفاتورة بالنسبة للشرق الأدنى 27 مليار دولار سنة 2000 . سيمس هذا الإجراء صغار المنتجين المحليين بشكل بالغ : فمن أجل التلاؤم مع الحد الأدنى المشترط من قبل المنظمة العالمية للتجارة فإن جزر الفيليبين على سبيل المثال مطالبة باستيراد 59 ألف طن من الأرز ، وهو ما سيقود حتما نحو هجرة 15000 أسرة من أسر الفلاحين كل سنة .
المنافسة في التصدير
يشكل مقطع الاتفاق المسمى " المنافسة في التصدير " المبرر الرسمي لوجود هذا الاتفاق ؛ أي إلغاء المساعدات المخصصة لمجال التصدير والتي يسرت بيع الفوائض الأوربية والأمريكية في السوق العالمي خلال سنوات . وهذا بالنتيجة هو السبب الذي جعل الدول المتقدمة تلتزم بالإنقاص من حجم صادراتها المدعمة بـ%21 ومبلغها المالي بـ %36 ما بين سنة 1995 و 2000 . أما بالنسبة للبلدان السائرة في طريق النمو فإن هذا الالتزام هو على التوالي بـ 14 و %24 إلى حدود سنة 2004 ، وتحريم التصدير ليس ممكنا حتى في فترات القحط .
وفي الوقت الذي تم فيه تبرير تحرير الصادرات بفعل أن الأسواق الفلاحية بالشمال ستفتح في وجه الهند ، فقد تناقصت الصادرات الهندية نحو أوربا من 13 إلى %6 ، وأحد أسباب هذا الانحطاط يتمثل في الإبقاء على المساعدات والحواجز الحمائية في دول الشمال .
أما المساعدات المتعلقة بالتصدير والمخصصة للبلدان السائرة في طريق النمو (من أجل تغطية نفقات التصدير) فهي لا تمضي إلى جيوب فلاحي العالم الثالث أو لجيوب الفقراء ما داموا ليسوا هم المصدرون وإنما هي الشركات الكبرى .
وبذلك تحقق الشركات المتعددة الجنسيات أرباحا وأموالا طائلة في الشمال والجنوب ، مع احترام تام لإطار تنظيمات المنظمة العالمية للتجارة . لقد رفعت الولايات المتحدة منذ تأسيس المنظمة العالمية للتجارة من حجم صادراتها ووسعت برامج الماركيتينغ لديها ، حتى قروض صندوق النقد الدولي لبلدان العالم الثالث تم استخدامها لدعم صادرات التجارة الفلاحية الأمريكية ، وحسب دان غليكمان ، وزير الفلاحة بالولايات المتحدة : " إذا لم نكن قد فقدنا عديدا من أنصبة السوق بآسيا فذلك راجع أولا لأننا خصصنا 2,1 مليار دولار كضمانة لقروض التصدير ، وبدون مساعدة صندوق النقد الدولي كان من الممكن أن يتهدد الخطر ملياري دولار من صادراتنا الفلاحية على المدى القصير وبشكل أكبر على المدى الطويل " . وفي سنة 1996 ، وبعد توقيع اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة مباشرة تبنت الولايات المتحدة قانونا يخصص 5,5 مليار دولار كمساعدات للتصدير ، مليار إضافي آخر تم تخصيصه أيضا من أجل إنعاش اختراق " الأسواق الناشئة " (3) . إن قواعد المنظمة العالمية للتجارة موجودة من أجل تشجيع والإبقاء على أشكال الدعم المالية للشركات المتعددة الجنسيات في الشمال ، ومن أجل سحب أي دعم عن الفلاحين والجماعات المحلية : وقد أمكن التأكد من أن هذه القواعد هي قواعد الوجه المتعلق بالإمدادات المالية الحكومية ، وبولوج السوق أو المنافسة في التصدير .
الحاجة إلى نموذج آخر
تتطلب حماية وسائل بقاء الفلاحين وكذا الأمن الغذائي وحماية فلاحة قابلة للدوام تغييرات جوهرية لهذا الاتفاق (AAUR) . يجب تجميد أي تحرير تجاري للفلاحة وأي تنفيذ للقواعد الجارية حاليا ، كما يجب إضافة بند يتعلق بحالات الاستثناء في كنف المنظمة العالمية للتجارة يمكن البلدان من الحفاظ على الفلاحة خارج أي عملية تحرير تجارية . يجب إلغاء الإمدادات المالية المخصصة لدعم التصدير ، بما فيها الإمدادات المقنعة على شكل ضمانات للتصدير والاستثمار والدعم المتعلق بالنقل . إن أشكال الدعم هاته هي أصل الإغراق المدمر للأسواق المحلية ، وليست المساعدات الحكومية التي يجب السماح بها كما هو شأن القيود الكمية على الاستيراد .
يجب الاعتراف بحماية الفلاحة باعتبارها شرطا لازما للأمن الغذائي . إننا لا نستطيع و لا يجب علينا أن نجعل من التجارة الهدف النهائي الشارط للأنظمة الغذائية ، وإلا فإن ذلك سيؤدي إلى سيادة المصالح التجارية للشركات المتعددة الجنسيات التي تعتبر الغذاء مصدرا للربح وليس وسيلة لضمان البقاء . وما دام أن أرباحها لا يمكن أن تتوسع إلا من خلال تدمير وسائل العيش وأنظمة الاكتفاء الذاتي ، فإن عولمة المبادلات تقود من ثمة نحو الإبادة العرقية . إن إقامة الحواجز التعريفية هي بالفعل إكراه أخلاقي .

حقوق الملكية الفكرية :اتفاقADPIC
إن المنظمة العالمية للتجارة تهدد مصالح فلاحي العالم الثالث أكثر من ذلك عن طريق الاتفاقيات حول الملكية الفكرية ADPIC . إن هذا الاتفاق المبرم إبان دورة الأوروغواي يقيم القواعد التنفيذية الواضعة لبراءات الاختراع وحقوق الملكية والأسماء والعلامات التي يمكن أن تطبق على جميع المنتجات ، بما فيها الكائن الحي ، بصورة تمكن من إضفاء براءات الاختراع على الجينات والبذور والخلايا والمزروعات والحيوانات وامتلاكها جميعا بوصفها ملكيات فكرية . إن البلدان السائرة في طريق النمو تجد نفسها مضطرة لإعادة تنظيم أنماط الإنتاج والاستهلاك لديها حتى تجعل من الممكن الإمساك بناصية الاحتكارات من قبل حفنة من الشركات المتعددة الجنسيات العاملة في إطار ما يعتبر علوما للحياة . إن هذا الاتفاق هو الدليل الساطع على أن المنظمة العالمية للتجارة لا تقزم النزعة الحمائية خلافا لكل ما يمكن أن يقوله المدافعون عنها ، كما أنها لا تحمي أيضا لا الأشخاص و لا الطبيعة ، وإنما الشركات المتعددة الجنسيات .
وللوقوف على ثغرات ADPIC يجب أن نعرف أن هذا الاتفاق يجعل من قوانين براءات الاختراع الغربية قوانين كونية ، وهي قوانين استخدمت خلال التاريخ كأداة للغزو ، فكلمة براءة اختراع مأخوذة من اللفظة الإنجليزية (Patent) ؛ أي قرارات ملكية على صورة رسالة مفتوحة توفر بشكل عادي امتيازا ما لشخص محدد ـ كانت تقدم على الخصوص من قبل الملوك الأوربيين بغرض غزو الأراضي الأجنبية أو من أجل الحصول على احتكار للاستيراد ـ وقد حصل كريستوف كولومب على حقه في الغزو من رسالة Patent الملكة إليزابيث والملك فرديناند .
ولقد تجاهل القانون بالولايات المتحدة ، ولمدة طويلة ، أن بعض الاختراعات كانت موجودة في السابق في بلدان أخرى وقت تسليم براءات الاختراع . وهكذا ، وبشكل يقوم على المفارقة ، فإن نظاما قانونيا يستهدف تحاشي القرصنة الفكرية يتأسس هو ذاته على شرعنة هذه القرصنة !ولقد وضع لهذا النظام رمز في المقطع 102 من patent act لسنة 1952 ، وهو يرفض القبول بإضفاء براءة الاختراع على الابتكارات المعمول بها مسبقا بالولايات المتحدة ، لكنه يقبل ذلك بالنسبة لمثيلاتها الموجودة بالبلدان الأخرى ، اللهم إلا إذا كان سبق وصفها بإحدى المنشورات .
منبع اتفاقيات الملكية الفكرية
خلال دورة الأوروغواي ، ونتيجة ضغط لوبي شديد من قبل الشركات المتعددة الجنسيات ، أدرجت الولايات المتحدة نظامها الخاص ببراءات الاختراع ضمن المنظمة العالمية للتجارة ، ومن ثمة فرضته عنوة على العالم . إن اتفاقيات ADPIC لم تجعل قوانين الملكية الفكرية قوانين كونية فحسب ، وإنما تنكرت لأية حدود أخلاقية ، وذلك من خلال إدراج الحياة والتنوع البيولوجي في إطار وا هو قابل لإضفاء براءة الاختراع عليه .
ومن ثمة نجد العضويات الحية التي تصنع نفسها بنفسها وقد أعيد تحديدها باعتبارها آلات أو مصنوعات مبتكرة من قبل الشخص الحائز لبراءة الاختراع . وتعطي براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية لمالك البراءة الحق في منع الآخرين من إنتاج أو استخدام أو بيع البذور . كما أن تخزين البذور أعيد تعريفه باعتباره جنحة أو سرقة ، في حين أنه نظر إليه دائما باعتباره واجبا مقدسا . لقد تم تبني البند 27(b) من اتفاقيات ADPIC المتعلقة ببراءات الاختراع تحت ضغط الشركات المتعددة الجنسيات المهتمة بـ " علوم الحياة " والتي تحولت أخيرا وبقدرة قادر إلى الأسياد المالكين للكائن الحي . ولقد قال أحد الناطقين باسم شركة مونسانتو بخصوص المفاوضات المتعلقة باتفاقيات ADPIC : " لقد لعبت الصناعات والمشتغلون بالتجارة العالمية ، وفي نفس الآن ، دور المريض والخبير والواصف للعلاج " .
الكبائر الثلاث لإضفاء براءة الاختراع على الكائن الحي
كبيرة أخلاقية أولا تتمثل في الادعاء بأن البذور والمزروعات والخراف والأبقار أو الخلايا الإنسانية ليست إلا منتجات من منتجات الفكر " مبتدعة " من قبل شركة مونسانتو ، نوفاريتس ، أو إيان ويلموت (4) أو PPL ؛ فللعضويات الحية نظامها الخاص بها ، وهي تصنع نفسها بنفسها ، و لا يمكن اختزالها وردها إلى مجرد مخترعات أو إبداعات للمالكين لبراءات الاختراع ، كما لا يمكن أن يتم تملكها كما لو كانت ملكيات خاصة بسبب أنها إرثنا الإيكولوجي وليست مجرد " مناجم جينيـــــة " .
الكبيرة الثانية تتمثل في تحريم الحفاظ على البذور وتقاسمها ؛ فالاعتراف للشركات المتعددة الجنسيات بكونها المالكة للبذور بفعل حق الملكية الفكرية سيجعل من الفلاحين لصوصا عندما يخزنون هذه البذور أو يتقاسمونها مع جيرانهم ، وسيكون من حق شركة مونسانتو إذ ذاك أن تكلف رجال البوليس الخصوصيين بمراقبة الفلاحين المرتكبين لجرم سرقة مثل هاته .
الكبيرة الثالثة أخيرا تتمثل في تشجيع القرصنة البيولوجية ، وهي سرقة للتنوع البيولوجي ولخبرات الأهالي عن طريق براءات الاختراع .
وتلك أمور تفرض الحرمان على الجنوب بثلاثة صيغ وأشكال :
فهي تخلق بادئ ذي بدء امتيازا وهميا في وجه التجديد والابتكار ، ولو أن المعرفة تطورت منذ الأزمنة القديمة . وهكذا فإن القرصنة البيولوجية سرقة فكرية تحرم العالم الثالث من إبداعاته وموارده الفكرية . وفي المقام الثاني فإن القرصنة البيولوجية تضع الموارد الحيوية الناذرة في يد الشركات المتعددة الجنسيات ، وتحرم الجماعات المحلية وكذا الأطباء الأهليين منها . وهكذا فإن القرصنة البيولوجية هي سرقة الموارد الخاصة بثلثي البشرية الأكثر فقرا والتي تعول على التنوع البيولوجي من أجل الحفاظ على البقاء . وأخيرا فإن القرصنة البيولوجية تصنع الاحتكارات وتقصي المبدعين الحقيقيين والأصليين من نصيبهم المشروع من الأسواق المحلية والوطنية والعالمية .
وبدل الوقوف في وجه هذه السرقة المنظمة فإن المنظمة العالمية للتجارة OMC تحمي الأقوياء وتعاقب الضعفاء والضحايا ؛ ففي خلاف قانوني طرح من قبل الولايات المتحدة ضد الهند بخصوص براءة الاختراع والموافقة للشركات المتعددة الجنسيات على أنصبة من السوق خاصة بها على قاعدة براءة الاختراع الأجنبية ، وباعتبار أن عددا من هذه البراءات مؤسسة على القرصنة البيولوجية ، فإن المنظمة العالمية للتجارة تشجع من ثمة القرصنة عن طريق براءات الاختراع .
وفي نهاية المطاف فإن عواقب ADPIC وتأثيراتها على التنوع البيولوجي بالجنوب وعلى حق شعوب الجنوب في التنوع البيولوجي ستكون كارثية ؛ فلن يكون من حق أي شخص أن ينتج أو يعيد الإنتاج مجانيا للمواد الغذائية والأعشاب الطبية أو حتى للحيوانات ، وكل هذا سيؤثر على صغار المنتجين وسيحرم الفقراء من الحصول على الغذاء وضمان الصحة والعافية ؛ فيجب أن تدفع العائدات لمالكي براءات الاختراع ، وسيتم تغريم كل عملية إنتاج غير مرخص لها مما سيزيد في طين ديون هذه البلدان بلة .
إن الفلاحين الهنود وكذا الأطباء التقليديين والتجار سيفقدون تبعا لذلك أنصبتهم من السوق المحلية ، الوطنية والعالمية ؛ فالولايات المتحدة مثل وقعت مؤخرا إحدى براءات الاختراع متعلقة بالخواص المضادة للسكري في مادة كاريلا وجامون وبرينجال لهنود غير مقيمين بالهند ، في حين يعتبر استخدام هذه المواد للسيطرة على داء السكري في الهند ممارسة شائعة .
لو كان الأمر لا يتعلق إلا بحالة أو اثنتين من مثل هذه الحالات لعزونا المسألة للخطأ ؛ لكن القرصنة البيولوجية شيء معمم ؛ فالمواد مثل : نيم ، هالدي ، الإبزار ، هارار ، باهيرا ، أملا ، الموتارد ، بلسيمتي ، سكينجبير ، ريسان ، حاراملا ، أمالتاس وكاريلا جامون ، كلها تم إضفاء براءة الاختراع عليها دون أن يكون ذلك بسبب الخطأ . ويستدعي هذه المشكل العميق والبنيوي تغييرات من نفس النوع لا معالجة لقضاياه كل قضية على حدة .
بعض الناس اعتبروا أن القرصنة البيولوجية كانت شيئا ممكنا بالنظر إلى أن المعارف الهندية غي هذا المجال غير موثقة ، وتلك مسألة بعيدة عن الصواب ؛ فالخبرات الأهلية موثقة بشكل ممنهج ، وهذا في الحقيقة هو ما يسر قرصنتها . بل حتى المعارف الشعبية الشفوية في الجماعات المحلية تستحق الاعتراف بها . ولا يجب أن يسمح الجهل بخبرات مثل هاته في الولايات المتحدة باعتبار قرصنتها عملية اختراع . إن تكاليف القرصنة البيولوجية المحتملة والمتوقعة بالنسبة للعالم الثالث هي تكاليف فادحة بالنظر إلى أن ثلثي سكان الجنوب يتوقف عيشهم وبقاؤهم على قيد الحياة على التنوع البيولوجي ؛ فتسعون في المائة من البذور بالهند يتم حفظها واقتسامها مع الجيران ، وتسعون في المائة من العلاجات تتوقف على الطب الشعبي الذي يستخدم الأعشاب في حالتها الطبيعية .

كيف السبيل لتجاوز هذا الوضع ؟..
يجب أن يتم الإيقاف الفوري لوضع اتفاقيات مثل اتفاقية ADPIC هاته وإعادة النظر فيها في القريب العاجل . وعلى البلدان أن تصوت على قوانين حكومية لحماية المعارف الأهلية باعتبارها ملكا مشتركا للشعوب وخيرا من الخيرات الوطنية ، كما يجب إعادة النظر في القوانين الأمريكية المتعلقة ببراءات الاختراع ـ ومن بينها البند المغالط 102 الذي يسمح للولايات المتحدة بقرصنة معارف البلدان الأخرى مجانا وإضفاء براءة الاختراع عليها بغية الدفاع بشراسة عنها بفضل الصيغة العجيبة المتمثلة في لفظة " الملكية الفكرية " ، وذلك للاعتراف بأولوية خبرات البلدان الأخرى . . ومما هو جدير بالذكر أن القوانين الأمريكية هي التي تم فرض كونيتها ضمن اتفاقيات ADPIC في كنف المنظمة العالمية للتجارة .
يجب أن يتم استثناء المعارف الأهلية وأي تحوير لها من إلصاق براءة الاختراع بها ، وكذا خلق أنظمة من نوع خاص بغرض حماية التجديد الجماعي والتراكمي . وهذا يتطلب تنويعا للأنظمة التي لا تحيل المعرفة والابتكار على الملكية الخاصة لخدمة المصالح الاحتكارية .
إن تغييرا كليا للقواعد الغربية هو الذي من شأنه وحده أن يضع حدا للقرصنة البيولوجية ، وإلا فإن الحياة اليومية لدى الهنود ستتعرض للخطر ما دام سيتم تحويل معارفهم على شكل براءات اختراع لتستفيد منها التجارة العالمية ، وبذلك ستتعاظم أرباح الشركات المتعددة الجنسيات على حساب الحق في الصحة وفي التغذية ، وعلى حساب معارف ملياري هندي ثلثهم في غاية الفقر ، بالشكل الذي لا يمكنهم من إشباع حاجاتهم عن طريق السوق العالمية . إن إضفاء براءات الاختراع على المعارف الأهلية واستخدام الأعشاب هما ملك فكري وبيولوجي مشترك يتوقف معاش الفقراء عليه ، وإذا ما حرم فقراء العالم الثالث من حقوق الاستخدام المجاني للرأسمال الطبيعي فإنهم سيجدون بقاءهم ذاته بقاء مهددا .
مسألة حياة أو موت
إن على تقنينات وبنيات المنظمة العالمية للتجارة الممركزة وغير الديمقراطية والتي تنظم سيادة الشركات المتعددة الجنسيات القائمة على الاحتكارات والثقافة الوحيدة أن تخلي المكان لديمقراطية " كونية " قائمة على اللامركزية والتنوع . يجب أن تعطى لحقوق كل الأنواع وكل الشعوب السيادة على حقوق الشركات ومنافعها اللامحدودة القائمة على التدمير اللانهائي . إن تنظيمات المنظمة العالمية للتجارة تخرق حقوق الإنسان وتهدد بقاء المجال البيئي ، إنها تخرق قوانين العدالة والدوام ، إنها في حالة حرب مع الشعوب والبسيطة . إن تغييرها الكلي هو المعركة الأكثر ديمقراطية والأكثر تلاؤما مع حقوق الإنسان كيفما كان ، وتلك المعركة في المحصلة هي معركة حياة أو موت .

*******************
(1) جاك بيرتولو " الفلاحة ، كعب أخيل العولمة " هارماتان ، 2001 ، 510 صفحة ، ص: 19 . يوضح الكاتب من خلال إحصائيات منظمة الفاو سنة 2000 أن عدد الفلاحين بالصين كان يمثل %50 من السكان ، و %60 بالهند ، و %66 بإفريقيا السوداء .
(2الفاو ، منظمة الأمم المتحدة للزراعة والتغذية .
( 3 1996US Farm Bill
(4إيان ويلموت هو " العالم " الذي قام مختبره العلمي باستنساخ العجلة دولي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق