الخميس، 6 دجنبر 2007

تشريح التخلف

وليام أرثور لويس
تشريح التخلف

لقد جددت مقاربة أرثور لويس للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية نظرية التنمية بحثا عن توازن في ما بين السوق والتدخل العمومي

بقلم : جيل دو ستالر
عن : ألتيرناتيف إيكونوميك عدد 254


عندما ولد أرثور لويس سنة 1915 كانت الجزيرة الصغيرة القديسة لوسي في جزر الأنتيل مستعمرة بريطانية ، وقد حصلت على استقلالها سنة 1979 . أما جزيرة بارباد التي توفي بها لويس فقد حصلت على استقلالها سنة 1966 . إن ساكنة هاتين الجزيرتين ، كأغلبية جزر الأنتيل ، ينحدرون في غالبيتهم العظمى من العبيد الذين شكلوا موضوع تجارة ثلاثية في ما بين بلدان أوربا وإفريقيا وجزر الأنتيل . وقد تم إلغاء العبودية بإنجلترا سنة 1833 ، غير أن المستعمرات البريطانية لم تتحول مع ذلك إلى حدائق وردية بالنسبة للسود.
لقد كان أرثور لويس تلميذا نابغة ، وقد غادر المدرسة عندما كان سنه 14 سنة للعمل في الإدارة العمومية ، وذلك لأنه كان متقدما على أقرانه ، كما أن سنه لم يكن يسمح له بدخول الجامعة . وعندما حصل سنة 1932 على منحة لمتابعة دراسته بإنجلترا ، تمنى أن يصير مهندسا ، لكن المناصب المخصصة لهذا التخصص كانت مغلقة ومحرمة على السود ، سواء في القطاع العمومي أو الخصوصي ، وهذا ما دفعه لدراسة التجارةقبل أن يتحول لدراسة الاقتصاد .
لقد عرف لويس نفسه بكونه مناهضا للإمبريالية واشتراكيا ديمقراطيا ، وهو يتذكر اجتماعا للجمعية المحلية ماركوس كارفي كان أبوه قد اصطحبه إليه عندما كان سنه 7 سنوات . وعندما حل لويس بلندن انهمك في دراسة الممارسات الاستعمارية لبريطانيا العظمى وخالط المجتمع القانوني ، مهد مثقفي الحزب العمالي ، ونشر أولى كتبه تحت يافطة الحزب . إن لويس وهو طالب ثم أستاذ بمدرسة لندن للاقتصاد ، والتي كان يدير بها شعبة الاقتصاد حينذاك فريديريك هايك ، لم يكن يشاطر إيديولوجية دعه يعمل المهيمنة إذ ذاك تعاليمها.
إن مناهضته للإمبريالية ، كما كتب لويس، هي التي قادته إلى الانكباب على مسألة التنمية ، بعد أن قام بجولة في دروب الاقتصاد الصناعي والتاريخ الاقتصادي ، وهو ما أدى به دون شك إلى توزيع وقته ما بين التدريس والبحث من جهة ، وعمله كمستشار وإداري من جهة أخرى . إن لويس لم يتوقف بالفعل عن الطواف بالبلدان المسماة حينذاك بلدان العالم الثالث مشيرا وناصحا لحكوماتها ولمسيري المؤسسات المالية بها في إطار عمله بمنظمة الأمم المتحدة ، إلى جانب اهتمام أساسي وكبير لديه يتمثل في التساؤل عن كيف يمكن تفسير ومحو الفوارق في التنمية والفقر الناجم عنها، وذاك يظل ، بطبيعة الحال ، أحد المشاكل الكبرى التي تواجه الإنسانية وتعمل جاهدة على حلها .

التخلف والاقتصاد المزدوج
لقد طفق لويس مبكرا ، عندما كان تلميذا بالسلك الأول ، يطرح التساؤلات حول التطور المقارن لأسعار المنتجات الصناعية وأسعار المنتجات الفلاحية المصدرة من قبل البلدان المتخلفة ؛ فالتقلبات الهامة وغير المتوقعة لأسعار منتجات التصدير في جزيرته الأصلية على سبيل المثال ، كانت تمنع تدبير الاقتصاد من خلال محاولة بلوغ استقرار معين. وقد اقتنع حينها أن النظرية التقليدية للأسعار ، تلك المؤسسة على التحليل الهامشي للعرض والطلب ، لا تسعف فتيلا في فهم تلك الظواهر . كما أن نموذج هيكشير وهلين ، أي الصيغة الحديثة لنظرية المزايا المقارنة لدى ريكاردو ، لا تمكن من تفسير المبادلات الاقتصادية الدولية بصورة مرضية وشافية للغليل.
وخلال تجواله ذات يوم من أيام شهر غشت سنة 1952 في شوارع بانكوك ، جاءه الحدس الذي سيجعله يكتب وينشر سنة 1954 أحد النصوص المذكورة أكثر من غيرها في النصف الثاني من القرن العشرين ، فلفهم طريقة اشتغال الاقتصادات المنعوتة بالتخلف، لا بد من التخلي عن الفرضية النيو كلاسيكية القائلة بأن كمية العمل ثابتة ، والعودة إلى التقليد الكلاسيكي من سميث إلى ماركس ، والذي بفضله يكون عرض الشغل بأجر الكفاف عرضا لا متناهيا و لا حدود له . ومن ثمة فإن النمو الاقتصادي يتأتى من تراكم للرأسمال المحدد من قبل توزيع المداخيل : " إن الأنظمة الكلاسيكية تحدد بذلك في نفس الآن توزيع ونمو المداخيل ، أما الأسعار المتعلقة بالبضائع ، فتشكل مسألة أقل أهمية ".
إن بلدان العالم الثالث موسومة بثنائية تجعلها موزعة في ما بين قطاع رأسمالي حضري مصنع ، وقطاع للكفاف تقليدي وفلاحي بالأساس ، لكننا نجده أيضا في الأنشطة الحضرية غير المهيكلة. إن الإنتاجية في هذا الأخير جد متواضعة ، كما هو شأن مستوى المعيشة ، والنمو الديمغرافي به جد مرتفع ، كما هو شأن التشغيل الناقص والبطالة ، والعمال هم نقطة الالتقاء في ما بين هذين القطاعين الإثنين . إن القطاع الرأسمالي يتوفر بالفعل على عرض للعمل غير محدود بأجر ثابت للكفاف ، وهذا يؤمن له أرباحا يؤدي إعادة توظيفها واستثمارها إلى معدلات مرتفعة من النمو ، وهذا هو ما يفسر النمو الذي عرفته إنجلترا في نهاية القرن 18 وأواسط القرن 19 ، وهو النمو الذي من المنتظر أن تعرفه ، حسب لويس ، البلدان المصنعة الجديدة انطلاقا من الستينيات.
إن تحليلا مماثلا ينطبق على تطور حدود المبادلات في ما بين المنتجات المانيفاكتورية المصدرة من قبل البلدان الغنية والمنتجات الفلاحية المصدرة من قبل البلدان الفقيرة؛ فصادرات هذه الأخيرة لا تشكل إلا نسبة ضعيفة ، أقل من 20 % من إنتاج فلاحي ذي إنتاجية جد ضعيفة . إن العرض اللامحدود للمنتجات المدارية يجعل من تأثير الطلب على الأسعار تأثيرا ضئيلا ، وبذلك فإن حدود المبادلات تتطور لصالح البلدان المصنعة.

التنمية والتخطيط
لقد جدد كتاب لويس المخصص سنة 1955 لنظرية التنمية هذا المبحث ، وأطلق العنان لعدد من المناقشات والاختلافات في وجهات النظر مماثل لما أحدثه كتاب سنة 1954 ، عنوان الكتاب " نظرية النمو الاقتصادي " هو عنوان مخادع ما دام الأمر لا يتعلق بدراسة نماذج مجردة ورياضية من النمو تم تطويرها حينذاك سواء من قبل اقتصاديي ما قبل كينز أو النيو كلاسيكيين . إن لويس مقتنع بأن حل المشاكل الاقتصادية يقيم في تغير المؤسسات أكثر مما يقيم في تغير الأسعار ، وعلى كل حال ، فليس تحرير التجارة الدولية هو ما سيشكل محركا لنمو البلدان المتخلفة . إن جزءا من الحل يقيم في التخطيط ، وهو الموضوع الذي نشر حوله لويس أحد كتبه في سنة 1949 ، والذي سيعود لموضوعه سنة 1966 ، كما يقيم في البحث عن توازن عادل في ما بين السوق ونشاط السلطات العمومية.
إن الاقتصاد لا يحتل كل اهتمام وتفكير لويس ؛ فالبعد السياسي يلعب دورا أساسيا ومحوريا . إن الأنظمة السلطوية والديكتاتورية المنتشرة بالعالم الثالث تشكل عائقا آخر في وجه التنمية ، وعلى التربية والتعليم ، اللذين خصص لهما لويس العديد من كتاباته مع شغله في نفس الآن لوظائف تدبير أكاديمية هامة ، أن يلعبا أيضا دورا أساسيا ومحوريا. هنا ينتقد أيضا تحليل وتقييم التربية والتعليم بحدود الكلفة والسعر والاستثمار والمردودية المالية ؛ إذ لا يجب أن تتكيف التربية وتتلاءم مع السوق ؛ فهي على العكس من ذلك أحد أقوى وسائل تغيير المجتمع ، والتفكير في التربية ينهض من الفلسفة أكثر مما ينهض من الاقتصاد .
إن مقاربة لويس للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية تتموقع خارج التيار المهيمن في الاقتصاد حاليا ، ولقد كانت ملهمة لعدد من الكتاب من أمثال أمارتي سن التي طورت نموذجا للاقتصاد المزدوج ، أو ألبير هيرشمان الذي استعار منه حججا لصالح سياسة للتصنيع والنزعة الحمائية . وقد تم تطبيق تحليله بحدود النزعة الثنائية أو نزعة الازدواجية في سوق الشغل بالبلدان المتقدمة من طرف بيتر دورينجر وميشال بيور على سبيل المثال.

ليست هناك تعليقات: