بديل مقترح للعولمة
لقد عاينت بعض المنظمات غير الحكومية ، بل وحتى بعض حكومات الجنوب أنه لم يتم فقط تجاهل مصالحها من قبل المنظمة العالمية للتجارة ، وإنما تم الدوس عليها بكل بساطة ، ومارتن خور في هذا المقال يدعو إلى إيقاف أية مفاوضات جديدة والعمل على تعرية التهديدات المستقبلية التي تهدد بلدان الجنوب والكشف عنها . . .
بقلم : مارتن خور
عن : الطبعة الفرنسية لمجلة : دي إيكولوجيست
ربيع 2001 .
لقد أخلف الواعدون للبلدان السائرة في طريق النمو بالغد المشرق وعودهم ، وقد تبين بالعكس أن الالتزامات المعقودة إبان دورة الأوروغواي هي التزامات باهظة الثمن ويمكن أن تتسبب في تفكك اقتصادي واجتماعي على أكبر مستوى ببلدان الجنوب .
وفي الحقيقة فإن عددا كبيرا من كبار الموظفين بالبلدان السائرة في طريق النمو لم يكونوا واعين تمام الوعي بالالتزامات التي أخذوها على عاتقهم عندما وافقوا على الأعداد الكبيرة والمعقدة من اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة ، و لا زالت الحكومات والشعوب بهذه البلدان تحاول ما أمكنها أن تستوعب هذه الاتفاقيات وتهضمها . لكن حكومات الشمال ، وتحت ضغط الشركات المتعددة الجنسيات تريد وترغب منذ مدة في إضافة موضوعات جديدة لمفاوضات المنظمة العالمية للتجارة حتى قبل أن تتمكن بلدان الجنوب من استعادة أنفاسها .
إن عددا كبيرا من منظمات الجنوب يعارض توسيع أية مفاوضات من قبيل افتتاح دورة جديدة من المفاوضات مخافة القيام باختزال وتقزيم جديدين لسيادة هذه البلدان الاقتصادية ولاستقلاليتها ، وفي هذا الإطار فإن هنالك ثلاثة مخاطر تتهدد بلدان الجنوب:
الاستثمار :
يعتبر تحرير الاستثمارات أحد خيول المعركة في يد البلدان الغنية ، وذلك بغرض تمكين أي مستثمر أجنبي من الاشتغال والتحرك كما يريد في أي بلد كان . وهكذا فقد اقترح الاتحاد الأوربي منذ فترة وجيزة توسيع المفاوضات بالمنظمة العالمية للتجارة لتشمل الاستثمارات ـ أي تجديد النقاش واستئنافه بخصوص المأسوف عليه الاتفاق المتعدد الأطراف حول الاستثمار AMI الذي لم ير النور بفضل جهود المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني . ويمثل تحرير الاستثمارات هذا تهديدا خطيرا لبلدان الجنوب ، والموضوع ذاته لا يجب أن يدرج ضمن مناقشات المنظمة العالمية للتجارة ، وبالفعل ، فإذا ما تم تبني مشروع كهذا فإنه لن يعود بإمكان بلدان الجنوب أبدا أن تعطي الأفضلية للمستثمرين المحليين وللمقاولات والفلاحة المحلية التي هي أصغر حجما بكثير من حجم الشركات المتعددة الجنسيات ، وستكون عاجزة تماما عن ضمان بقائها في وجه المنافسة الشرسة.
التنافسية :
والتهديد هو ذاته بفعل مبادئ المنظمة العالمية للتجارة المتمثلة في : " معاملة الدولة الأكثر تفضيلية " و " عدم ممارسة الميز " والتي يمكن أن تكون انعكاساتها الملموسة جد سلبية ببلدان الجنوب . والاتحاد الأوربي يتمنى بذلك وباسم التبادل الحر محاربة العوائق الواقفة في وجه التجارة وتمكين الشركات المتعددة الجنسيات من الدخول في منافسة مع المقاولات المحلية باعتماد نفس قواعد اللعب . ومن نافلة القول أن نقول إن المقاولات المحلية لن تستطيع الصمود والبقاء لمدة طويلة . غريب إذن هذا التصور عن " المنافسة " ، وهو تصور بلدان الشمال ، الذي يقود نحو الاحتكار الأجنبي للأسواق المحلية ببلدان الجنوب.
الأسواق العمومية :
إن البلدان المصنعة تريد أن تدرج ضمن اهتمامات المنظمة العالمية للتجارة اتفاقا يمكن مقاولاتها الكبرى من اقتحام الأسواق العمومية التجارية ببلدان الجنوب ، والتي تكون قيمتها أحيانا أعلى من قيمة الصادرات . إننا نقف اليوم على أنه تم إقصاء موضوع الأسواق العمومية من مختلف اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة ، والاتفاق الوحيد الذي لا زال قائما هو اتفاق متعدد الأطراف يعتبر الانخراط فيه مسألة اختيارية . . . ومن ثم فإن الحكومات لا زالت حرة في وضع القواعد بالنسبة للأسواق العمومية ، وغالبية بلدان الجنوب تعطي الأفضلية للمقاولات المحلية في هذا الباب ، غير أن المشاريع المقدمة بالأخص من قبل الاتحاد الأوربي تنص على إدراج إمكانية لجوء شركة غير راضية عن القواعد الموضوعة من قبل حكومة ما إلى تحكيم المنظمة العالمية للتجارة ! وهذا شيء طبيعي لأن الاستراتيجية المتبناة من قبل بلدان الشمال هي استراتيجية جد بسيطة ؛ ففي لحظة أولى ، وبغرض إدراج موضوع الأسواق العمومية بداخل المنظمة العالمية للتجارة فإن الأمر يتعلق بتبني اتفاق بخصوص قواعد " شفافية " الأسواق العمومية ، وحالما يتم إدراج هذا الموضوع ، فسيكون من السهولة بمكان المناداة والمطالبة بـ " إدراجه الكلي " ضمن اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة.
البديل المقترح :
إن إعادة التشكيل الكلية للنظام الاقتصادي والعالمي تفرض ذاتها إذا كنا نريد أن يكون توزيع المداخيل والثروة والسلطة الاقتصادية أكثر عدالة وأن يجبر العالم المتقدم على تخفيض معدلات استهلاكه المرتفعة بشكل لا معنى له .
ويمكن أن ترى المجتمعات القابلة للحياة إيكولوجيا النور بالجنوب من خلال البحث عن توازن إيكولوجي واجتماعي جديد ؛ فلا زالت توجد بهذه البلدان مناطق شاسعة تحيا فيها الجماعات المحلية في وفاق مع ثقافتها ووسطها الطبيعي ، في الوقت الذي اختفت فيه هذه الجماعات عمليا على مستوى العالم المتقدم . يجب علينا أن نعيد الاكتشاف والاعتبار للحكمة التكنولوجية والثقافية لأنظمتنا الفلاحية والصناعية ، الصحية والطبية ، و لا أريد بذلك القبول الأعمى بكل ما هو تقليدي بفعل اعتقاد رومانسي في عصر ذهبي ، غير أن عددا من التقنيات والخبرات الأهلية لا زالت تشكل جزءا لا يتجزأ من الحياة في بلدان الجنوب ، تقنيات وخبرات تمكن من تحقيق تنمية مستديمة في انسجام وتناغم تامين مع الطبيعة والجماعة .
إن الرهان ليس شيئا آخر غير الحفاظ على بقاء النوع الإنساني والكرة الأرضية ؛ فنحن سكان العالم الثالث نتحمل هذه المسؤولية عن طواعية ، ونتمنى أن نعمل بمعية أصدقائنا بالبلدان المتقدمة على تقوية أنفسنا بغية السير في سبل لا حصر لها لتوازن اجتماعي وإيكولوجي قابلين للدوام والاستمرار .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق