الخميس، 6 دجنبر 2007

ديمقراطيات على المقاس

ديمقراطيات على المقاس
بقلم : إغناسيو راموني
لوموند ديبلوماتيك ـ مارس 2006
لقد ظلت الديمقراطية لمدة طويلة من الزمن صيغة ناذرة من صيغ الحكم ، وهي التي تم تقديمها في الغالب باعتبارها أفضا النظم السياسية ؛ وذلك لأن أي نظام لم يستطع أن يجسد بشكل كلي المثال الديمقراطي الذي يفترض سلامة طوية مطلقة من قبل الأقوياء اتجاه الضعفاء ، وكذا إدانة جذرية حقيقية لأي شكل من أشكال الشطط في السلطة ، ولأنه أيضا لا بد من احترام المعايير الخمس التي يلزم توفرها في أي نظام لكي يكون ديمقراطيا ، ألا وهي : الانتخابات الحرة ـ المعارضة الحرة والمنظمة ـ الحق الفعلي في التناوب السياسي ـ النظام القضائي المستقل وتوفر وسائل إعلام حرة . وحتى عندما توفرت هذه الشروط في بعض الدول ، فقد ظلت لمدة طويلة ، كما في فرنسا والمملكة المتحدة ، تتنكر لحق النساء في التصويت ، كما كانت هذه الدول ، فضلا عن ذلك ، قوى استعمارية تنال من حقوق المستعمَرين وتخرقها.
ورغم هذه النواقص ، فقد كان لهذا النهج في الحكم نزوع نحو أن يصير كونيا ، وذلك أولا بفضل التفعيل القوي للديمقراطية من قبل رئيس الولايات المتحدة وودرو ويلسون ( 1856 ـ 1924 ) ، ثم وبشكل خاص عقب انتهاء الحرب الباردة واختفاء الاتحاد السوفييتي ، حيث تم الإعلان حينها عن " نهاية التاريخ" بدعوى أنه لا شيء يقف في وجه كل دول العالم منذ ذلك الحين كي تحقق في يوم من الأيام هدفي السعادة القصوى المتمثلين في : اقتصاد السوق والديمقراطية التمثيلية ، وهما الهدفان اللذان تحولا إلى عقيدة لا يجوز المساس بها .
باسم هذه العقائد قدر السيد جورج بوش أن من المشروع بالعراق اللجوء إلى القوة والسجون السرية المقامة بالخارج ، أي أن من المشروع السماح لقواته المسلحة بممارسة التعذيب ، أو إخضاع السجناء بغوانتنامو لمعاملات غير إنسانية خارج أي إطار قانوني ، كما تم فضح ذلك مؤخرا عن طريق تقرير أعدته لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ، وكذا تقرير آخر صادر عن برلمان الاتحاد الأوربي.
ورغم هذه التجاوزات الخطيرة ، فإن الولايات المتحدة لا تتردد في التصرف على مستوى البسيطة كوصي ديمقراطي على الآخرين ؛ فقد ألفت واشنطن تسفيه خصومها من خلال نعتهم بشكل كلي بأنهم " غير ديمقراطيين " ، إن لم تصفهم بأنهم " دول مارقة " أو دول صعاليك أو بكونها " منابت للإرهاب " ، والشرط الوحيد للإفلات من هذه الوصمة هو تنظيم " انتخابات حرة ونزيهة " .
غير أن كل شيء في هذه الحالة الأخيرة متوقف على النتائج ، أي على نتائج هذه الانتخابات كما تبرهن على ذلك حالة فنزويلا ، حيث تم منذ سنة 1998 ولمرات عديدة انتخاب السيد هوغو تشافيز في إطار ظروف مضمونة من قبل مراقبين دوليين . لكن ذلك لم ينفع في شيء ؛ إذ استمرت واشنطن في اتهام السيد تشافيز بكونه يشكل " خطرا على الديمقراطية " ، بل ذهبت أبعد من ذلك ، أي إلى حد السعي إلى إحداث انقلاب في أبريل 2002 على الرئيس الفنزويلي الذي سيُخضع نفسه من جديد لحكم صناديق الاقتراع في شهر دجنبر المقبل .. .
وهناك أيضا ثلاثة أمثلة أخرى ـ في إيران وفلسطين وهايتي ـ تبرهن على أنه لم يعد كافيا أن يتم انتخابك بشكل ديمقراطي كي تحظى برضا واشنطن. لقد أجمع كل الملاحظين ، بالنسبة لحالة إيران ، على أن انتخابات يونيه 2005 كانت انتخابات رائعة : مشاركة جماهيرية مكثفة ، تعددية وتنوع للمرشحين ( في إطار النزعة الإسلامية الرسمية ) ، وبالخصوص حملة انتخابية باهرة خاضها السيد على أكبر هاشمي رافسنجاني ، وهو المفضل لدى الغربيين والمنتظر فوزه . لا أحد في تلك اللحظة تحدث عن " الخطر النووي " الذي تشكله إيران ، لكن كل شيء تغير بعنف بمجرد فوز السيد محمود أحمدي نجاد ( وهو من اعتبرت تصريحاته فضلا عن ذلك بخصوص إسرائيل تصريحات مستهجنة وغير مقبولة ) . وها نحن نشهد الآن حملة تشبيه إيران بالشيطان الخطير.
حتى ولو أن طهران هي من الدول الموقعة على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية ، ورغم إعلانها عدم نيتها امتلاك القنبلة النووية ، ألم يقدم وزير خارجية فرنسا على اتهام إيران بأنها تجتهد في تنفيذ " برنامج نووي عسكري سري " ؟ .. ألم تطالب السيدة كوندوليزا رايس ، وزيرة خارجية الولايات المتحدة ، إثر النسيان السريع للانتخابات الإيرانية الأخيرة ، الكونغرس الأمريكي بتخصيص 75 مليون دولار لتمويل برنامج إيران " للنهوض بالديمقراطية " ؟..
نفس الوضعية أو تقريبا كذلك تشهدها فلسطين، حيث ترفض الآن كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي ، بعد اشتراطهما تنظيم انتخابات " ديمقراطية فعلية " مراقبة من قبل حشد من المراقبين الأجانب ، يرفضان معا نتائج هذه الانتخابات بدعوى أن المنتصر فيها ، أي الحركة الإسلامية حماس ( المرتكبة لهجمات فظيعة على المدنيين الإسرائيليين ) لا تعجبهما .
وأخيرا بهايتي كان بإمكاننا أن نرى بمناسبة الانتخابات الرئاسية يوم 7 فبراير الأخير كيف أن كل شيء كان في لحظة أولى قد تم إعداده للحيلولة دون انتصار السيد روني بريفال ـ الذي فاز أخيرا رغم كل شيء ـ ، هذا الذي لا ترغب فيه " المجموعة الدولية " بأي ثمن ، وذلك بسبب علاقاته القديمة بالرئيس السابق جان برتراند أريستيد .
" الديمقراطية ـ كما قال ونستون تشرشل ـ هي أقل الأنظمة الأخرى سوءا " ، وما يزعج اليوم هو عدم القدرة على التحديد القبلي لنتائج استشارة انتخابية ما ، وذلك عندما يحب البعض امتلاك القدرة على إقامة أنظمة ديمقراطية على المقاس ، وبنتائج مضمونة سلفا .

ليست هناك تعليقات: