الخميس، 6 دجنبر 2007

بوليفيا

بوليفيا

بقلم : إغناسيو راموني
لوموند ديبلوماتيك ـ عدد نونبر 2003.

لقد كانت ديمقراطية بكل معنى الكلمة ؛ ألم تكن تحترم الحقين الأساسيين التاليين من حقوق الإنسان : أي حرية الصحافة والحريات السياسية ، ولو أن الحق في الشغل والسكن والصحة والتعليم والتغذية وحقوقا إنسانية أساسية أخرى كان يتم المساس بها ، فإن ذلك لا ينتقص فيما يبدو من " الكمال الديمقراطي " لهذه الدولة.
في بوليفيا التي يصل تعداد سكانها بالكاد إلى 8,5 مليون نسمة ، والتي تمتلك من الثروات الباطنية أغناها على مستوى البسيطة ، تسيطر حفنة من الأغنياء على الثروات والسلطة السياسية منذ قرنين من الزمان ، في حين أن 60% من السكان يعيشون تحت عتبة الفقر ؛ فالهنود الأمريكيون ـ وهو الغالبية العظمى من السكان ـ يعانون من الميز ؛ فوفيات الأطفال لديهم تعرف معدلات مهينة ، والبطالة أضحت لديهم شبيهة بالعدوى ، والأمية جاثمة على العقول ، و 51% من السكان لم تصلهم بعد نعمة الكهرباء . لكن هذا لا يغير من جوهر الأمر شيئا ببوليفيا : فالأمر مع ذلك يتعلق بنظام " ديمقراطي " ، وحتى عندما أطلق الجيش الرصاص بالرشاشات على المتظاهرين في 11 و 12 أكتوبر بأمر من الرئيس غونزالو سانشير دو لوزادا ليردي 60 قتيلا ومئات الجرحى ، فإن السيدة غوندوليزا رايس مستشارة الرئيس الأمريكي وهي تتحدث عن هذه الثورة ، موجهة كلامها لأعضاء شركة الصحافة فيما بين دول أمريكا اللاتينية SIP المجتمعين بشيكاغو ، صرحت بأن واشنطن تحذر المتظاهرين (؟) من " أي محاولة لقلب حكومة ديمقراطية منتخبة عن طريق القوة " . ونحن نتذكر كيف أن واشنطن يوم 11 أبريل ، عندما تمت الإطاحة بشكل مؤقت من قبل العسكريين المساندين من قبل الباطرونا وكبريات وسائل الإعلام بالرئيس هوغو تشافيز المنتخب بدوره بشكل ديمقراطي، كانت متسرعة للاعتراف بالانقلابيين بدعوى كاذية تقول إن السيد تشافيز " أطلق الرصاص على شعبه ".
إن الجزار، كما أصبح البوليفيون يسمونه منذ ذلك الحين ، السيد سانشيز دو لوزادا ، بحث بشكل عادي وطبيعي عن ملجأ له بميامي يوم 17 أكتوبر ، وذلك دون أن تفكر الولايات المتحدة في عرضه على أية محكمة كانت بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
فلماذا يا ترى ستقوم بذلك العمل ؟.. فقد أخضع السيد سانشيز دو لوزادا، وزير التخطيط فيما بين 1986 و 1989 ، والمشار عليه من قبل مستشاره الاقتصادي جيفري ساك ، أخضع بلاده " لعلاج عن طريق الصدمة " كما كانت تتمنى ذلك واشنطن ، مع عواقب هذا العلاج الصادم المتمثلة في تسريح عشرات الآلاف من المأجورين بالقطاع العام . ولقد تحول هذا الرئيس الليبرالي المتطرف إبان فترته الرئاسية الأولى ( 1993 ـ 1997 ) إلى أحد أكبر أغنياء بلده ، وقبل دائما تحت ضغط الولايات المتحدة تطبيق برنامج لاقتلاع زراعة الكوكا ، ذلك البرنامج الذي كان هو المسؤول عن خراب مئات الآلاف من الفلاحين الذين انخرطوا منذ ذلك في ثورة دائمة؛ ما داموا لا يملكون أي مورد آخر للرزق والبقاء. كما قام أيضا بخوصصة كل ممتلكات الدولة من سكك حديدية ومناجم وبترول وكهرباء وتلفون وخطوط جوية وماء لصالح الشركات التي هي في غالبيتها أمريكية.
ولقد كان من نتائج خوصصة توزيع المياه بمدينة كوشا بامبا لصالح المقاولة الأمريكية بيكتيل ( أحد كبار المستفيدين من برنامج الخوصصة الكلية التي تجريها الآن سلطات الاحتلال للعراق ) في أبريل 2000 نشوب حركة عصيان انتهت برحيل الشركة وتراجع الحكومة وإعادة تأميم الثروة المائية.
لقد عرف هذان الصراعان: واقعة فلاحي الكوكا وواقعة مدينة كوشا بامبا بروز قائد شعبي استثنائي هو السيد إيفو موراليس ، 42 سنة من هنود آيمار ، عصامي وزعيم نقابي يقود منذ قرابة 20 سنة قطاعا من أكثر القطاعات مطالبة ، وهو قطاع الفلاحين المتضررين من القضاء على زراعة الكوكا.
على صعيد أمريكا اللاتينية ولدى حركة العولمة البديلة ، يعتبر إيفو موراليس وجها بارزا في حركة أهلية تعلن عن ذاتها بقوة كبيرة في كل من الإيكواتور والبيرو والشيلي والباراغواي ، وقد أصبح شخصية تتمتع بشعبية كبيرة. وبمعية زعيم هندي آخر هو فيليب كويسبي من الحركة الأهلية باشاكوتي MIP وتنظيمه المسمى الحركة من أجل الاشتراكية قام هذان الزعيمان بهجوم مضاد على السياسة النيوليبرالية لدى السيد سانشيز دو لوزادا وحليفه الاشتراكي الديمقراطي السيد جيم بازامورا ، وهي السياسة التي استهدفت ، عبر مجموعة من الشركات المتعددة الجنسيات ، سلب احتياطيات البلد من الغاز وتحويلها إلى الولايات المتحدة ، تلك السياسة التي أدت في اللحظات الأخيرة للانفجار.
إن فقدان الصبر لدى الهنود البوليفيين يتأسس على قرون من التجربة التاريخية ؛ فتصدير الثروات الطبيعية ( الفضة ـ الإيتان ـ البترول ) لم يحسن أبدا أوضاع الفقراء ولم يمكن البلد من أي تحديث يذكر. وكما هو الشأن بالإيكواتور في يناير 2000 ضد الرئيس جميل مهواد ، وبالبيرو في نونبر 2000 ضد الرئيس ألبيرتو فوجيموري ، وبالأرجنتين في دجنبر 2001 ضد الرئيس فيرناندو دولاروا ، فإن السكان البوليفيين رفضوا ، من خلال الإطاحة بالسيد سانشيز دو لوزادا ، النموذج الاقتصادي الذي عمق الفساد في كل مكان من أمريكا اللاتينية ، وأصاب السكان بالدمار وعاظم ظاهرة الإقصاء الاجتماعي.

ليست هناك تعليقات: