الخميس، 6 دجنبر 2007

المراقبة الشاملة

المراقبة الشاملة
" في الماضي لم تكن لدى أية حكومة سلطة إبقاء مواطنيها تحت مراقبة دائمة ، أما اليوم فإن بوليس الفكر يراقب الجميع . . . وبشكل دائم "
جورج أورويل 1984
بقلم : إغناسيو راموني
لوموند ديبلوماتيك عدد غشت 2003
.
كان على أولئك الذين عولوا هذا الصيف على الذهاب إلى الولايات المتحدة أن يعلموا أنه سيتم تقديم معلومات شخصية عنهم للجمارك الأمريكية دون موافقتهم طبقا لاتفاقية موقعة ما بين اللجنة الأوربية والسلطات الأمريكية ، وذلك عن طريق شركة الخطوط الجوية التي سيسافرون على متنها ، ومن ثمة فإن السلطات الأمريكية ، وحتى قبل أن تطأ أقدامهم أرضية المطار، ستعرف أسماءهم وأنسابهم وأعمارهم وعناوينهم وأرقام جوازات سفرهم وبطاقات السلف والحالة الصحية والاختيارات الغذائية ( التي يمكن أن تكشف انتماءاتهم الدينية ) وأسفارهم ورحلاتهم السابقة . . الخ.
إن هذه المعلومات سيتم تقديمها لجهاز للغربلة يسمى CAPPS ( جهاز حاسوب للمراقبة الوقائية ) ، وذلك للكشف عن مشكوك فيهم محتملين؛ حيث سيقوم هذا الجهاز بتقدير درجة خطورة المسافر من خلال التعرف على هويته ومقارنتها بالمعلومات المتوفرة لدى مصالح الشرطة ووزارة الدولة ووزارة العدل والأبناك وتصنيفه ضمن لون معين : الأخضر بالنسبة للمسالمين ، الأصفر في حالة الشك ، والأحمر بالنسبة لأولئك الذين سيتم منعهم من دخول الطائرة . وإذا كان الزائر مسلما أو من منطقة الشرق الأوسط ، فإن اللون الأصفر سيتم إلصاقه به بشكل أوتوماتيكي ، وبرنامج الأمن على الحدود يرخص لرجال الجمارك بأخذ صور للزوار وكذا بصماتهم.
الأمريكيون اللاتينيون هم أيضا مستهدفون ؛ فقد اكتشفنا أن 65 مليون مكسيكي و 31 مليون كولومبي و 18 مليون من دول وسط أمريكا وضعت لهم بطاقات دون علمهم ، وفي كل بطاقة تجد تاريخ ومكان الازدياد والجنس وهوية الأبوين والوصف الفيزيقي والأحوال المدنية ورقم جواز السفر والمهنة المصرح بها.
وفي الغالب تدون بهذه الملفات معلومات سرية أخرى كالعناوين الشخصية وأرقام الهواتف والحسابات البنكية وأرقام السيارات وكذا البصمات . ورويدا رويدا ، وبهذه الطريقة ، سيتم تبطيق كل الأمريكيين اللاتينيين من قبل واشنطن.
" الهدف هو إقامة عالم أكثر أمنا ، ويجب أن نكون على علم بالمخاطر المحتملة التي يمثلها الأشخاص الذين يطأون أرض بلادنا " ، ذاك ما أكده السيد جيمس لي ، وهو أحد مسؤولي مقاولة Choicepoint التي تشتري هذه البطاقات أو الملفات من أجل إعادة بيعها للإدارة الأمريكية (1) ؛ وذلك لأن القانون الأمريكي يحظر تخزين المعلومات الشخصية ، لكنه لا يمنع من مطالبة شركة خاصة بالقيام بذلك لصالح الحكومة. وهذه الشركة التي يتواجد مقرها على مقربة من أتلانتا هي شركة معروفة وغير مجهولة ؛ فإبان الانتخابات الرئاسية بفلوريدا سنة 2000 كانت الدولة قد كلفت فرعها المسمى ( تكنولوجيا قواعد المعلومات Technologie Data Base DBT ) بإعادة تنظيم اللوائح الانتخابية بهذه الولاية . النتيجة هي حرمان آلاف الأشخاص من حقهم في التصويت ، وهو ما أدى إلى تغيير نتيجة الانتخابات التي فاز بها السيد بوش ب 573 صوتا زيادة فقط . . ونحن نتذكر أن هذا النصر الصغير هو الذي مكن بوش من الوصول إلى سدة الحكم (2) .
إن المراقبة الصارمة واللصيقة ليست منصبة على الأجانب وحدهم في أمريكا ؛ فالمواطنون الأمريكيون بدورهم لا يفلتون من البارانويا السائدة حاليا ، لذلك فإن أنواعا جديدة من المراقبة التي يقرها قانون باتريوت Patriot Act تعيد النظر في الحياة الخاصة الشخصية للناس وكذا في سرية المراسلات، أما السماح بالتنصت على الهواتف فهو مسألة لم تعد ضرورية ؛ حيث يمكن للمراقبين الوصول إلى المعلومات الشخصية المتعلقة بالمواطنين دون أخذ إذن بذلك، وهكذا فقد طلب مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI من المكتبات إيفاءه بلوائح الكتب والمواقع الإلكترونية التي يطلع عليها ويرتادها زبناؤها (3) من أجل رسم " بروفيل فكري وثقافي " لكل واحد منهم.
لكن أكثر مشاريع التجسس اللاشرعية هذه هذيانا هو المشروع الذي وضعه البانتاغون تحت عنوان Total Information Awareness (TIA) أي نظام المراقبة الشاملة للمعلومات (4) والذي كلف به الجنرال جون بواندسكتر المتهم في الثمانينيات بكونه كان المحرض في قضية إيران كونترا . ويتمثل المشروع في تجميع ما لا يقل عن 40 صفحة من المعلومات عن كل ساكن من سكان الأرض البالغ عددهم 6 مليارات نسمة ، ومعالجتها وتحليلها عن طريق حاسوب عملاق . والبانتاغون يزمع من خلال تحليل ومعالجة كل المعطيات المتوفرة عن كل شخص رسم صورة أكثر ما تكون تكاملا عنه ـ الأداءات عن طريق البطاقة البنكية ، الاشتراك في وسائل الإعلام ، حركة الحساب البنكي ، المكالمات الهاتفية ، مواقع الأنترنيت المرتادة ، البريد الإلكتروني ، البطاقات البوليسية ، ملفات التأمين ، المعلومات الطبية والمتعلقة بالضمان الاجتماعي.
وكما هو الحال في فيلم ستيفن سبيلبرغ Minority Report ، فإن السلطات تعتقد أن بإمكانها أن تتنبأ بالجرائم قبل وقوعها : " سيتقلص هامش الحياة الشخصية ، لكن مقابل أمن أكثر ، كما يعتقد ذلك السيد جون ب. بيتيرسن ، رئيس معهد إرلينغتون ، وسنستطيع أن نستبق المستقبل بفضل مقارنة كل المعلومات المتعلقة بكم ، وغدا سنعرف كل شيء عنكم (5) " ، وهكذا يجد الأخ الأكبر نفسه متجاوزا . . .
هوامش :
(1) لاخورنادا ، مكسيكو 22 أبريل 2003 .
(2) الغارديان ، لندن ، 5 ماي 2003 .
(3) الواشنطن بوست ، النشرة الوطنية الأسبوعية ، 21 ـ 27 أبريل 2003 .
(4) وقد تم تغيير الإسم نتيجة احتجاجات المدافعين عن حرمة الحياة الشخصية إلى الإسم المذكور (TIA) ، إقرأ أرمان ماتلار " تاريخ مجتمع المعلومة " ، لاديكوفيرت ، باريس ، الطبعة الجديدة ، أكتوبر 2003.
(5) إيل باييس ، 4 يوليوز 2002.

ليست هناك تعليقات: