الانتفاضة الشافية
تراكم الأوجاع والآلام وتداعيها على البسيطة مناسبة لاستيقاظ الوعي خارج السبل المهزومة للفكر الأوحد ، ولمحاولة رسم مستقبل مغاير للإنسانية . وفي ما بين الموت والطوباوية يراهن كومي تولابور ، وهو عالم سياسة طوغولي ، على الاختيار الثاني .
بقلــم : كومي م. تولابور .
عـــــن : ألتيرناتيف إيكونوميك ، عدد استثنائي ، رقم 35 .
لم يبد عالمنافي فجر القرن ال 21 الذي راكم غنى هائلا في جميع الميادين بشكل مفارق فقيرا إلى هذا الحد الذي يبدو عليه الآن . وإذا مكّن التقدم العلمي اليوم الإنسان من إنجاح مآثر تقنية خارقة ، فإن لدينا إحساسا بأن ذلك تم على حساب الحياة الكريمة والأخلاق ؛ فهناك اليوم عالمان متعايشان : أحدهما عالم أقلية وأناني ، يمرح في بحبوحة من العيش والوفرة ، في حين أن الآخر المكون من الغالبية العظمى ، يحيا بالكاد بشكل عسير مؤلم ، أو بالأحرى لا يحيا و لا يعيش . هذا الاختلال للتوازن هو أيضا متفجر كما هو شأن قنابلنا وأسلحتنا الحربية مجتمعة .
توجد منذ الآن صحوة للضمير والوعي كونية تتمثل في ضرورة قلب كفة انعدام التوازن هذا في ما بين الأغنياء والفقراء ، أي كفة هذه الحرب الباردة أو حائط برلين هذا الذي لا يعلن عن إسمه . وهذا الوعي هو أحد أهم المكتسبات الأخلاقية لنهاية قرننا هذا ، لكنه يصطدم بالعجز أو بالإرادة الناقصة لدى الناس ، تلك الإرادة المعلن عنها عبر المؤتمرات العالمية التي لا ينتج عنها من التأثيرات الملموسة إلا القليل الناذر . ومع ذلك فقد توفرت أرضنا اليوم على ما يكفي من الوسائل لتشطيب الفقر والعنف اللذان ، كما الأخطبوط ، يعانقان الإنسانية في قبلة موت بطئ .
لقد تم تشخيص آلامنا هذه ، والحلول معروفة نسبيا . ما ينقص فقط لوضعها موضع التنفيذ ليس هو الإرادة المصممة ، وإنما الإرادة السياسية . في عالمنا الذي تحول ، كما يقال ، إلى عالم القطب الواحد ، حيث يعتقد أن بالإمكان حل المشاكل بيسر أكبر ، تنعدم بشكل فج هذه الإرادة ، في حين أن نظامنا الذي بلغ حدوده مهدد بالغرق في العدم .
في مجابهة هذه اللوحة غير المطمئنة يطفو على المسرح العالمي كومضة أمل فاعلون جدد . إنهم يرومون التأثير على مصير العالم حتى تحدث تغيرات حقيقية في مجال تدبير الخيرات الإنسانية ، لكنهم لكونهم لا يمسكون بواقع السلطة السياسية فهم لا يستطيعون إلا محاولة التأثير على بعض القرارات بالشكل الذي يجعل الإنسان مأخوذا بعين الاعتبار في إطار التنمية التي يجب أن يحتل منها موقع المركز . إلا أننا إذا اختزلنا التنمية إلى نمو اقتصادي بتغييب كل الأبعاد الأخرى ، كما لو أن خط مسير ومصير الإنسانية تم إخراسهما بلا رحمة بفعل الغبار والعقم اللذين يرقص حولهما خيالنا بغطرسة وتعجرف .
فاعلون جدد يبرزون
إن استيقاظ وعينا بأننا ماضون رأسا نحو حائط منيع هو قفزة ناجعة ، بل بروميثية ؛ وذلك لأن خلخلة العادات القديمة لصنع آفاق جديدة هو عمل مقدام زجسور كما هو شأن ممارسة فعل بروميثي ينتزع سر النار من الآلهة ؛ إنه انتفاضة ترفض أن توافق على اختلال وظائف نظام العالم وعلى فشل الإنسانية وعلى ضياعها المعلن .إنه انتفاضة مفيدة وشافية تعتقد أن المستقبل كائن وأنه لا زال ممكنا أيضا العيش بطريقة مغايرة بدل العيش بأوكسجين فاسد .
على لوحة الشرف لدى هؤلاء الفاعلين الجدد تتموقع النساء اللواتي ، وبدون أية ديماغوجية نسوية النزعة ، هن أكثر حساسية من الرجال إزاء مستقبل الإنسانية . هل هي مصادفة إذا كن أكثر عددا بداخل المنظمات غير الحكومية منها بداخل مؤسسات السلطة ، حتى ولو أن الأوليات لا يفلتن هن بدورهن من النقد ؟ .. إننا نحب في كل الأحوال أن نرى هؤلاء النسوة يخرجن من مجال اللامرئي ويحتللن بشكل أكثر كثافة مواقع المسؤولية السياسية الأكبر حتى يجسدن من خلال أفعال ملموسة انتفاضة الثورة الشافية التي تعبر في عالمنا الذي فقد البوصلة ، جراء وفرته وأنانيته ، عن عجز هذا العالم عن نحت مستقبل أفضل من أجل أطفالنا .
=================
* عالم سياسة ، CEAN-IEP ، بوردو .
تراكم الأوجاع والآلام وتداعيها على البسيطة مناسبة لاستيقاظ الوعي خارج السبل المهزومة للفكر الأوحد ، ولمحاولة رسم مستقبل مغاير للإنسانية . وفي ما بين الموت والطوباوية يراهن كومي تولابور ، وهو عالم سياسة طوغولي ، على الاختيار الثاني .
بقلــم : كومي م. تولابور .
عـــــن : ألتيرناتيف إيكونوميك ، عدد استثنائي ، رقم 35 .
لم يبد عالمنافي فجر القرن ال 21 الذي راكم غنى هائلا في جميع الميادين بشكل مفارق فقيرا إلى هذا الحد الذي يبدو عليه الآن . وإذا مكّن التقدم العلمي اليوم الإنسان من إنجاح مآثر تقنية خارقة ، فإن لدينا إحساسا بأن ذلك تم على حساب الحياة الكريمة والأخلاق ؛ فهناك اليوم عالمان متعايشان : أحدهما عالم أقلية وأناني ، يمرح في بحبوحة من العيش والوفرة ، في حين أن الآخر المكون من الغالبية العظمى ، يحيا بالكاد بشكل عسير مؤلم ، أو بالأحرى لا يحيا و لا يعيش . هذا الاختلال للتوازن هو أيضا متفجر كما هو شأن قنابلنا وأسلحتنا الحربية مجتمعة .
توجد منذ الآن صحوة للضمير والوعي كونية تتمثل في ضرورة قلب كفة انعدام التوازن هذا في ما بين الأغنياء والفقراء ، أي كفة هذه الحرب الباردة أو حائط برلين هذا الذي لا يعلن عن إسمه . وهذا الوعي هو أحد أهم المكتسبات الأخلاقية لنهاية قرننا هذا ، لكنه يصطدم بالعجز أو بالإرادة الناقصة لدى الناس ، تلك الإرادة المعلن عنها عبر المؤتمرات العالمية التي لا ينتج عنها من التأثيرات الملموسة إلا القليل الناذر . ومع ذلك فقد توفرت أرضنا اليوم على ما يكفي من الوسائل لتشطيب الفقر والعنف اللذان ، كما الأخطبوط ، يعانقان الإنسانية في قبلة موت بطئ .
لقد تم تشخيص آلامنا هذه ، والحلول معروفة نسبيا . ما ينقص فقط لوضعها موضع التنفيذ ليس هو الإرادة المصممة ، وإنما الإرادة السياسية . في عالمنا الذي تحول ، كما يقال ، إلى عالم القطب الواحد ، حيث يعتقد أن بالإمكان حل المشاكل بيسر أكبر ، تنعدم بشكل فج هذه الإرادة ، في حين أن نظامنا الذي بلغ حدوده مهدد بالغرق في العدم .
في مجابهة هذه اللوحة غير المطمئنة يطفو على المسرح العالمي كومضة أمل فاعلون جدد . إنهم يرومون التأثير على مصير العالم حتى تحدث تغيرات حقيقية في مجال تدبير الخيرات الإنسانية ، لكنهم لكونهم لا يمسكون بواقع السلطة السياسية فهم لا يستطيعون إلا محاولة التأثير على بعض القرارات بالشكل الذي يجعل الإنسان مأخوذا بعين الاعتبار في إطار التنمية التي يجب أن يحتل منها موقع المركز . إلا أننا إذا اختزلنا التنمية إلى نمو اقتصادي بتغييب كل الأبعاد الأخرى ، كما لو أن خط مسير ومصير الإنسانية تم إخراسهما بلا رحمة بفعل الغبار والعقم اللذين يرقص حولهما خيالنا بغطرسة وتعجرف .
فاعلون جدد يبرزون
إن استيقاظ وعينا بأننا ماضون رأسا نحو حائط منيع هو قفزة ناجعة ، بل بروميثية ؛ وذلك لأن خلخلة العادات القديمة لصنع آفاق جديدة هو عمل مقدام زجسور كما هو شأن ممارسة فعل بروميثي ينتزع سر النار من الآلهة ؛ إنه انتفاضة ترفض أن توافق على اختلال وظائف نظام العالم وعلى فشل الإنسانية وعلى ضياعها المعلن .إنه انتفاضة مفيدة وشافية تعتقد أن المستقبل كائن وأنه لا زال ممكنا أيضا العيش بطريقة مغايرة بدل العيش بأوكسجين فاسد .
على لوحة الشرف لدى هؤلاء الفاعلين الجدد تتموقع النساء اللواتي ، وبدون أية ديماغوجية نسوية النزعة ، هن أكثر حساسية من الرجال إزاء مستقبل الإنسانية . هل هي مصادفة إذا كن أكثر عددا بداخل المنظمات غير الحكومية منها بداخل مؤسسات السلطة ، حتى ولو أن الأوليات لا يفلتن هن بدورهن من النقد ؟ .. إننا نحب في كل الأحوال أن نرى هؤلاء النسوة يخرجن من مجال اللامرئي ويحتللن بشكل أكثر كثافة مواقع المسؤولية السياسية الأكبر حتى يجسدن من خلال أفعال ملموسة انتفاضة الثورة الشافية التي تعبر في عالمنا الذي فقد البوصلة ، جراء وفرته وأنانيته ، عن عجز هذا العالم عن نحت مستقبل أفضل من أجل أطفالنا .
=================
* عالم سياسة ، CEAN-IEP ، بوردو .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق